كاتب مغربي ينقل تجربة الاعتقال السياسي إلى المسرح

فتح الكاتب المغربي محمد أمين بنيوب إحدى الصفحات الأكثر إيلاما في تاريخ المغرب الحديث: “سنوات الرصاص”، والمقصود بها بالخصوص سنوات السبعينيات والنصف الأول من الثمانينيات التي شهدت أعنف مراحل علاقة حركات اليسار المغربي بالسلطة المتنفذة والمستبدة؛ حيث زُجّ بالعديد من الشباب والمناضلين في سجون مجهولة، ضمن ما يطلق عليه الاعتقال السري والاختفاء القسري، وذلك بسبب مواقف ونشاطات سياسية ونقابية وفكرية كانت تندرج ضمن المحظور لدى الحاكمين.
تناول بنيوب هذه التجربة من زاوية درامية. والمثير في هذا التناول الإبداعي أنه يقوم على معايشة حقيقية تجرع مرارتها من خلال تجارب بعض أفراد عائلته. هكذا، إذن، أصدر حديثا نصا سماه “كرنفال.. من ذاكرة سنوات الاستبداد” يضم ست لوحات، بطلاها شخصيتان، يوسف وأيوب، الأول يعاني من اضطرابات جسمانية وأحيانا عقلية، والثاني متفائل دائما رغم أنه شاخ قبل الأوان. يعيشان في فندق شعبي ويقضيان أغلب أوقاتهما في تذكر آلام الاعتقال السياسي وأهواله التي أجهضت الحلم بوطن تسود فيه الكرامة والعدالة واحترام إنسانية الإنسان.
عن ولادة هذا النص المسرحي يحكي محمد أمين بنيوب قائلا إن فكرته تعود إلى بداية تسعينيات القرن الماضي، حيث شرع في تدوين متن حكائي يضم كل الأحداث التي عاشها وسط أسرة عانت سنوات الاعتقال السياسي وما رافقها من صنوف الاستبداد والمكر والحقد في زمن ‘كنا فيه قطيعا طيّعاً يساق نحو المجازر والسراديب’، على حد تعبيره. ويضيف قوله: ‘في سنة 1992، وبالضبط في 17 كانون الثاني (يناير)، غادر أخي جمال قلعة الاسمنت (آسفي) بعدما قضى ما تيسر له وما كتب له في اللوح المحفوظ، ثماني سنوات كما ينعتها (سنوات حرة). أطلعني على مذكراته ورحلته السيزيفية المضنية في بلاد علمونا فيها (حب الأوطان من الإيمان) وأناشيد الرعاة عندما يسوقون نعاجهم صائحين (مغربنا وطننا) وهلم جرا من الكلام الأجوف’.
ويتابع: ‘أضفت بعض المقاطع من دفاتر السجن إلى المتن الحكائي. وبالصدفة التقيت في الرباط بالكاتبة والشاعرة والمناضلة الراحلة ثريا السقاط… تحدثنا في موضوع ثقافة الأطفال بالمغرب وحول مشروع كتابة نصوص مسرحية للطفل وإخراجها. اقتنصت الفرصة وطرحت عليها فكرة المذكرات العائلية.. صمتت.. وخاطبتني: لم لا تحولها إلى نص مسرحي ما دمت مبدعا مسرحيا، ربما تضيف شيئا إلى ما كتب حول تجارب الاعتقال السياسي…’ وهكذا ترك مشروع المذكرات جانبا، أخرج حزمة أوراقه وأخذ في كتابة النص من جديد وتحويل المتن الحكائي إلى عمل درامي أسماه ‘كرنفال.. من ذاكرة سنوات الاستبداد’.
عن هذا الكرنفال يتحدث الناقد والأديب عبد الجليل محمد الأزدي قائلا: ‘الكرنفال حفل مفعم بالأسرار والسحر والأعاجيب ومختلف أشكال اللهو واللعب، بل إن وجوده رهين باللعب والاحتفال؛ غير أنه لم يكن دوما حفلا سعيدا، وإنما هو كذلك حفل حزين شديد القسوة، بل إن القسوة فيه تصل إلى أرقى درجات انتهاك الكرامة الإنسانية. وهذا الانتهاك تحديدا هو ما يتعرف عليه القارئ في سطور اللوحات الكرنفالية الدرامية التي صاغها محمد أمين بنيوب بلغات المسرح المتعددة والمتمفصلة والمتشافعة والمتكافلة في التقاط واقع قاتم’.
يقع الكتاب في 100 صفحة من القطع المتوسط، ويزينه غلاف يحمل توقيع الفنان عند الغني ويدة.
والجدير بالذكر أن محمد أمين بنيوب من مؤسسي فرقة ‘مسرح القصبة’ إلى جانب زوجته الفنانة فاطمة مقداد’، وقدمت الفرقة لحد الآن خمسة أعمال درامية: ‘النوارة الراعفة’، ‘سمفونية الحجر’، ‘الكرنفال’، ‘حيت كالولي كالولو’، ‘حكايات ساحة’.

ذات صلة