وقائع ملتقى فكري في الشارقة: «التواصل والمسرح» بين دفتي كتاب من إعداد عصام أبو القاسم

هل لا يزال في الإمكان تمييز المسرح بوصفه وسيلة تواصل كما كان عليه الحال خلال سنوات عديدة ماضية؟ أم أن علينا البحث عن دور آخر ومدخل جديد لإبراز موقع المسرح في مشهدنا الاجتماعي الجديد؟ ألم تتغير الأحوال، اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا، مع هذه الثورة التكنولوجية التي توشك أن تغطي كل ملمح من حياتنا المعاصرة، التي أتاحت ويسرت من الوسائل والوسائط والشبكات الترابطية والتواصلية، بين الشعوب والثقافات والحضارات، ما يصعب حصره وتحديده؟ أيمكن التواصل بواسطة المسرح أن يكون فاعلا ومؤثرا ومثمرا الآن بأكثر مما يحصل عبر مواقع التواصل الإلكتروني، مثلا؟
أسئلة وإشكالات مؤرقة وردت بين دفتي كتاب صادر، حديثا، عن دائرة الثقافة والإعلام في حكومة الشارقة، تحت عنوان «المسرح والتواصل» وهو من إعداد الناقد المسرحي والإعلامي عصام أبو القاسم. والكتاب ثمرة أعمال ندوة فكرية أقيمت في إطار ملتقى الشارقة الثاني عشر للمسرح العربي، الذي نظم يومي 26 و27 يناير/كانون الثاني 2015، برعاية الشيخ سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة وبمشاركة أسماء مسرحية رائدة وشابة من الإمارات وبعض الدول العربية.
يعرّف رشيد أمحجور (من المغرب) التواصل المسرحي بكونه ذلك التبادل المعرفي والإخباري الذي يتم بين النص والقراء، أو بين العرض والجمهور، عبر وساطة يقوم بها المخرج، من خلال التقنيين، ويؤكد أن قابلية المسرح لاستيعاب فنون أخرى وتعويض بعضها لبعض جد مهمة، كما هو الشأن اليوم مع الفيديو وأنواع التسجيل لمشاهد بأكملها، والاستغناء عن صناعة ديكورات ومناظر وإكسسوارات وتعويضها بتصميمات تنشيطية لتعد من الحلول الملموسة لبعض المشاكل المادية التقنية والفنية.
أما كمال الباشا (من فلسطين) فيتساءل: هل يعي نقادنا وأكاديميونا أننا والجمهور بين أكثر من نارين؟ فإما أكاديمي مفرط في التنظير الاصطلاحي، الذي لا نجد وقتا لتحليله ولا سعة صدر لفهمه، وإما كتابة صحافية وصفية تكرر الجمل ذاتها في كل مقالة جديدة، فتفقدنا وجمهورنا لثقتنا بما نقرأ، وحماسنا للمتابعة أو لزيارة المسرح. وإما حوار بين أكثر من فنان وناقد ومحلل تتناقض في ما بينها وتصل إلى حالة من انعدام التوازن والتيه في صراع بين أناي وأناك ووعيي ووعيك. ثم، هل ندرك ـ نحن الفنانين، منتجي الأب الشرعي للفنون كافة ـ الفرق بين التواصل مع الجمهور أثناء وجودنا على الخشبة، وبين التواصل معهم لترويج العمل الفني قبل وبعد الإنتاج؟
ويوضح سعيد محمد السيابي (من سلطنة عمان) أن الاستمرارية والمواكبة في وسائل الاتصال التي قام بها المشتغلون في المسرح في الخليج بتوظيف التقنيات الحديثة للاتصال في أعمالهم، تعمق من قيمة المسرح وترفع من رصيده الحضاري، وبأنه فن يعيش ويقدم لكل الأزمان والأمكنة، ويمتلك أدوات التجديد والتأقلم.
ويقول فهد الكغاط (من المغرب) إنه إذا كانت تكوينية المسرح تتفرع إلى مجالين نقديين هما: تكوينية النص الدرامي وتكوينية العرض المسرحي، فإن كل واحد من هذين المجالين يوظف صنفا معينا من المواد التكوينية: «مواد تكوينية نصية» بالنسبة إلى المجال الأول، و«مواد تكوينية مشهدية» بالنسبة إلى المجال الثاني. في حين يتوقف أحمد عبد الملك (من قطر) عند ظاهرة «التغريب» في الثقافة والإعلام العربيين، ودورها في التراجع الملحوظ في هذين المجالين. ويشير إلى أن هذا «التغريب» قطع الصلة بين الأصالة والمعاصرة، وخلق جمهورا يقبل بنهم على المعاصرة، ولا يأبه إن ضاعت منه الأصالة، إذ لاحظنا خلال السنوات العشر الماضية اتجاهات واضحة نحو «استيراد» نماذج ومشاريع ثقافية من الخارج، ومن أوروبا بالذات (خصوصا العروض المسرحية)، وفرضها على ذائقة الناس.
وخلال تطرقه إلى التجربة المسرحية التونسية عموما والشخصية بصفة خاصة، أكد فاضل الجزيري أنه من المهم أن تعتبر الدولة أن المسرح هو أداة تواصل… ويتساءل: كيف نصل إلى المعادلة التي تحول المسرح من كونه فن النخبة إلى فن شعبي؟ ليجيب أن الطريقة المثلى هي الإعلام، ولكن ليس عن طريق التحدث عن العمل الفني في هذه الأجهزة، بل تقديم العمل نفسه. ويعتقد الجزيري أن المسرح إذا أراد أن يكون شعبيا يجب أن يمر إما عبر التلفزيون وإما المسرح.
ويقول كمال الباشا: نحن المسرحيين لا نقدر على التواصل حتى في ما بيننا، نحكي لغات مختلفة ولا نفهم بعضنا. ويعرب عن اعتقاده بأن التلفزيون يمكن أن يمثل دعاية للفنان، ولكن الأساس في الأمر هو القرار السياسي، ومن دون القرار السياسي لن يتوجه التلفزيون إلى نقل المسرحيات التي تقدم. ويوضح عصام بوخالد أن علاقة المسرح بالجمهور مرهونة بالمسرحيين أنفسهم، وبالطبيعة النوعية لأعمالهم وصدقيتهم. المسرح، مقارنة ببقية الفنون، هو الأكثر تأثيرا، وهو ما يمكن إثباته بالنظر إلى موقف الرقابة منه.
أما سلامة إمام فيقول: لا أعتقد أن المسرح كف عن التواصل مع الجمهور، لطالما كانت العلاقة التواصلية قائمة، وفي تقديري إن علينا أن نأخذ ما قدمه الفنان بريخت، ونزيد عليه من عندنا، نستكشف الأشكال والأساليب التي تخصنا حتى نصل لأكبر قطاع من الجمهور. بينما يشدد منقذ السريع على أن مسؤولية التواصل تقع على إدارات الفرق وترتهن إلى حيويتهـــا وقدرتها على الوصول إلى الناس. كلما كان منتج المسرحية نشيطا وحريصــا، فإنه يعرف كيف يصل إلى الجمهور.

ذات صلة