أزياؤنا في قفص الاتهام!

الطاهر الطويل

أغرب دراسة طبية قرأتها حديثاً، تتعلق باللباس التقليدي العربي وتضعه في قفص الاتهام، فقد زعمت هذه الدراسة أن نسبة كبيرة من النساء العربيات يعانين نقصا في فيتامين “د” الذي يساعد على تماسك العظام وصلابتها. وأرجعت الدراسة الغريبة العجيبة هذه المشكلة إلى أن أغلب النساء العربيات يرتدين ألبسة تقليدية تغطيهن من أعلى الرأس حتى أخمص القدمين، مما يحول دون وصول أشعة الشمس إلى الجلد ليمتصها الجسم. وهكذا تُحرَم النساء من فيتامين “د” الموجود في تلك الأشعة!

هذه الدراسة الفريدة من نوعها لم يبتدعها أوربيون أو أمريكيون، حتى نقول إنهم يهاجمون ملابسنا التقليدية ويشجعون بنات بلدنا على التعري والسفور، ولكنها صدرت عن فريق طبي عربي. إذنْ، الأمر جِد في جد يا ناس! فما الحل يا تُرى؟ الحل، في نظر الأطباء المعنيين، هو أن تكشف النساء عن رؤوسهن وصدورهن وأذرعهن وأرجلهن، وتتركها عرضة لأشعة الشمس!

كثير من نسائنا يعانين هشاشة العظام. أهذا معقول يا معشر الأطباء المختصين؟ تريدون أن تقولوا: “إنهن غير متماسكات البنية”؟ أهكذا تنظرون إلى أمهاتكم وأخواتكم وزوجاتكم وزميلاتكم في العمل؟ الواقع أن الخلاصة التي خرج بها أولئك الأطباء بعيدة كل البعد عمّا عهدناه في المرأة العربية، خاصة المُسنّات. لننظر إلى النساء اللائي تلفهن الملابس التقليدية، فلا تكاد تظهر منهن غير العيون، كيف أنهن قويات البنية وأكثر صلابة وتماسكا من كثير من بنات اليوم اللواتي تصل الشمس إلى معظم أجسامهن. النساء الملفوفات بالثياب في الماضي والحاضر بالبوادي والجبال يحافظن على شموخهن ونضارتهن وهُنَّ يقطعن مسافات طويلة حاملات الأثقال فوق ظهورهن.

ليس الأطباء وحدهم مَن شنّوا هجوما كاسحا على اللباس التقليدي العربي، بل انضم إليهم حتى مصممو الأزياء. فقد أصبح كثير منهم يُلحقون تشوّهات كبيرة به، تحت يافطة التجديد.

بعض عروض الموضة التي تقام من حين لآخر تثير السخرية أكثر من الإعجاب: ألبسة تقليدية مشوهة، ترتديها عارضات أزياء نحيفات جدا، الشيء الذي يزيد الطين بلة! وأغلب الظن أن الكثير من أولئك العارضات الحريصات على كشف أجزاء من أجسادهن الهزيلة، هُنّ مَن يعانين هشاشة العظام، وليس النساء العربيات الفخورات بلباسهن التقليدي.

وما يؤكد أكثر هذا الطرح، الواقعة الأليمة التي حصلت لإحدى عارضات الأزياء في أوروغواي بأمريكا اللاتينية، فمن شدة حرص تلك العارضة الشابة على أن تبقى نحيفة ورشيقة القوام، كانت تكتفي بالقليل من الطعام للتخفيف من وزنها، ففقدت 21 كيلو في ظرف وجيز، والنتيجة أن ملاك الموت لم يمهلها أثناء مشاركتها في حفل للموضة. وبذلك، التحقت بزميلتها البرازيلية “أنا كارولينا” التي ماتت للسبب نفسه وعمرها لا يتجاوز 18 سنة!

وعودا على بدء، ننصح الأطباء بالابتعاد عن لباسنا التقليدي، فهو بريء من كل التهم؛ وليفكروا في تقديم وصفات مناسبة لعارضات الأزياء النحيفات اللائي يُعجّل “عزرائيل” بقبض أرواح بعضهن بسبب.. “فقدان الشهية”!

ذات صلة