الطاهر الطويل
قديما قالوا: “من شابه أباه فما ظلم”.
وحديثا يقولون: “ابن الوز عوام”.
وبالعامية المغربية يقال: “اتبع حرفة بوك يلا غلبوك” (اتّبعْ حرفة أبيك حتى لا يغلبوك).
تعددت الأمثال والمعنى واحد. فكثيرون هم الأبناء الذين ساروا على هدي آبائهم في مهنهم ومواهبهم. البعض منهم كان من نصيبه النجاح الباهر، والبعض الآخر نال الفشل والخسران المبين.
كم من أديب أنجب ابنا أديبا هو الآخر!
وكم سياسياً خرج من صلبه ابن سياسي!
وقس على ذلك ما شئت من مهن ومواهب استثنائية في الرياضة والطب والمحاماة والتجارة والخياطة…
وتوارث المهن بهذا الشكل لا يقتصر على ما هو إيجابي، بل يشمل أيضا حتى ما هو سلبي، كاللصوصية، فهناك لصوص ورثوا هذه “المهنة” الذميمة عن آبائهم وأجدادهم، وسيرثونها لأبنائهم وأحفادهم، ليشكلوا ــ بذلك ــ سلالة “عريقة” من اللصوص!
ونود أن نثير انتباهكم الكريم أننا هنا لا نقصر اللصوصية على ما يقع في الأسواق العمومية وفي محطات الحافلات وغيرها من الأماكن التي تعتبر أرضية خصبة للنشل والسطو، وإنما نقصد بها كذلك ما يقوم به أشخاص أنيقون يحتلون مناصب ومسؤوليات مختلفة، ولكنهم يسرقون أموال العباد وعرقهم وأموال إدارات البلاد في واضحة النهار، من غير أن يصيح فيهم مُنادٍ ذات يوم: “من أين لكم هذا؟”
كما أن الوراثة التي هي “بيت القصيد” ومربض الفرس” في هذا المقال، لا تخص الأموات فقط، بل تشمل الأحياء من الأبناء والبنات والزوجات والخليلات.
الابن يرث عن أبيه ــ في حياته ــ منصبه، حتى وإن لم يزحزح عنه، وينتفع ببركاته وخيراته وصلاحياته التي لا تعد ولا تحصى…
فابن الوزير ــ مثلا ــ لا يمكن بالضرورة إلا أن يكون بمثابة وزير ولو لم يتم تعيينه. ولذلك، فمن الطبيعي أن تخصص له الإدارة المعنية سيارة خاصة وسائقا خاصا يحمله أينما شاء.
وزوجة الوزير لها أن تتصرف ــ أحيانا ــ إزاء بعض الموظفين والموظفات كما يحلو لها، والشيء نفسه ينطبق على زوجات العديد من المسؤولين من هم أقل درجة من منصب الوزارة.
حدّقوا جيدا في مختلف الميادين، تكتشفوا ــ دون عناء أو جهد جهيد ــ أن منطق العشيرة والوراثة هو الذي ما زال سائدا لحد الآن.
المسؤول ذو الجاه والنفوذ لن يجد أقرب إليه في تولي المسؤولية بجانبه أو بجانب زملائه سوى ابنه أو أخيه، ولو افتقر هذا الابن أو الأخ إلى أبسط شروط الكفاءة والأهلية.
والمخرج المسرحي لن يجد من يليق لأدوار عروضه غير أبنائه وبناته وزوجته وصهره، حتى وإن لم يكونوا يميزون بين “جانب الحديقة” و”جانب الساحة” في المسرح.
والمخرج التلفزيوني لا يترك فرصة إنتاج فيلم أو مسلسل تفوته دون أن يرفع شعار “في المقربين أولى”، ولذلك يقسم الأدوار على أفراد أسرته وأقربائه… و… و…
ثم إن “شفاعة” صاحب الشهرة والجاه والقرار تنفع أفراد عشيرته في اقتحام ميادين هم ليسوا أهلا لها أصلا، سواء كانت فنا تشكيليا أو موسيقى أو غناء أو أدبا أو صحافة وهلم جرا…
وهكذا، يتساوون مع أصحاب الميدان الحقيقيين، ويتم تفضليهم عليهم في فرص العمل والامتيازات والمكافآت، وفي كل اعتبار مادي ومعنوي، وذلك تحت شعار: “حرام عليكم، حلال علينا”!
…………
مضى ذلك الزمان الذي كانت فيه حكمة الشعراء ذات “مصداقية” وجدوى وتأثير في النفوس، ورحم الله الشاعر الذي قال:
كن ابن من شئت واكتسب أدبا
يُغنِك محــمــوده عن النســب
إن الــفتى من يــقول هــا أنــا ذا
ليس الفتى من يقول كان أبي
هذان البيتان أصبحا مهجورين تسكن فيه البومة التي يُطلق عليها في المغرب “مُــوكــا”!