أغنياء الحرب

 

الطاهر الطويل

إنهم ليسوا حصرا على زمان ما ومكان بعينه، فهم موجودون في كل زمان ومكان، ينتشرون كالجراد، ويلتهمون الأخضر واليابس.

يُسمّون “أغنياء الحرب”. وإذا كانت الحرب تعني الكوارث والمصائب فإنهم يجعلون من فضائها مرتعا خصبا للإثراء السريع على حساب القيم والمبادئ الإنسانية العامة، محركهم في ذلك شعار “مصائب قوم عند قوم فوائد” وكذلك المنهج “المكيافيلي”: “الغاية تبرر الوسيلة”. السلع التي يكون ثمنها رخيصا جدا قبل الحرب يبيعونها أثناء الحرب بأضعاف مضاعفة.

كما أنهم يرتدون قناع الرحمة والمسكنة حين يشترون من الناس أشياءهم بأثمان بخسة، وذلك في أوج الأزمة التي لا يجد خلالها المرء ما يقتني به كسرة خبز.

عمل “أغنياء الحرب” لم يعد مقتصرا على فترات الحرب، بل صار يشمل أيضا فترات السلم التي تنتج حروبا أخرى بين المواقع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المختلفة.

في السياسة ــ مثلا ــ نجد “أغنياء الحرب” ينشطون أثناء الانتخابات، بلدية كانت أم برلمانية. إنهم يقدمون “خدماتهم” لفائدة المرشحين الطامعين في الكراسي الوثيرة بأسعار عالية، نظرا لحنكتهم في هذا المجال. وتراهم ينصحون بعضهم البعض قائلين: “اضرب الحديد وهو ساخن”، ذلك أن ضرب الحديد وهو ساخن يجعل من السهل اعوجاجه واتخاذه الشكل المرغوب فيه. أما إن صار الحديد باردا فيتحول إلى مادة صلدة لا ينافسها في “الصلابة” سوى رؤوس بعض المسؤولين الذين لا يستجيبون لمطالب المحتاجين.

من (مميزات) “أغنياء الحرب” كذلك أنهم يزينون للناس أفعالهم وأقوالهم، ولو كانت أقبح من وجه “الخطيئة” الذي قال عنه:

أرى لي وجها قبح الله خلقه

فقبح من وجه وقبح حامله!

ولذلك، يقدمون للناس السم على أنه دسم والحنظل على أنه أطيب التمور. ويحاولون أن يثبتوا بالحجة والدليل حقيقة وجباتهم المسيلة للعاب.

أغنياء الحرب يندسون وسط الأحزاب في الوقت المناسب للقيام بأدوار “نضالية” و”طلائعية”، ويوهمون الناس بكونهم لا يريدون من وراء ذلك جزاء ولا شكورا. بينما هم يخططون لمآربهم التي لا تعد ولا تحصى. وإذا ظفروا بواحدة منها فذلك أحسن من لا شيء. ألم يقل الأولون: “عصفور في اليد خير من عشرة فوق الشجرة”.

وبإمكانهم تغيير لونهم، بطريقة حربائية، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين أو العكس، غير آبهين للوم اللائمين وسخرية الساخرين. فكل واحد منهم يقول: “حيثما تضعوني أعكف على العمل”. صاحبة الجلالة الصحافة لم تسلم هي كذلك من “أغنياء الحرب” فباستطاعتهم ان يوجدوا جريدة لكل ظرف ولكل تيار، هي أحيانا موالية وأحيانا أخرى مناوئة، يسارية مع

اليساريين، وقومية مع القوميين، وأصولية مع الأصوليين!

ذات صلة