التسول فنون وجنون

الطاهر الطويل

هناك من يمد يديه طلبا للصدقة بسبب الفقر والحاجة، وهناك من احترف التسول وصار يضايق المحتاجين الحقيقيين ويحرمهم مما يسد رمقهم. وفي كل مرة، يعمل المتسولون المحترفون على تطوير “مهنتهم” لمضاعفة أرباحهم، مستعينين في ذلك بالوسائل التكنولوجية الحديثة.

ففي إحدى البلدان العربية، تم ضبط عدد من المتسولين وبحوزتهم هواتف محمولة ينظمون بها “أعمالهم” اليومية وينسقون فيما بينهم بشأن توزيع انتشارهم في “ميادين العمليات”. ومن خلال تلك الأجهزة الصغيرة يحصلون على دخل يفوق بكثير ذلك الذين يجنونه بالطرق التقليدية. وآخرون طوروا وسائل عملهم بتعلم اللغات الأجنبية الأساسية وإتقانها وبالأخص الإنجليزية والفرنسية والألمانية كضرورة من أجل ممارسة المهنة، لأن زبائنهم الكبار من السياح الأجانب.

حكاية المتسولين مع وسائط الاتصال الحديثة ليست وليدة اليوم، فمنذ عدة سنوات، ظهرت في البلدان المتقدمة علينا ــ والمتساوية معنا في وجود التسول ــ جرائد ومجلات خاصة بالمتسولين، لها محرروها ورؤساء تحريرها وباعتها وقراؤها… وهي جرائد ناطقة بلسان حال المتسولين معبرة عن متاعب مهنتهم وقضاياهم اليومية والمصيرية. وكان العديد من متسولي بريطانيا العظمى شنوا الحرب على زعيم حزب العمال ببلادهم، وسيلتهم في ذلك مجلة أطلقوا عليها “القضية الكبرى”، وذلك لأنه قال: يجب إنهاء ظاهرة المتسولين والمشردين، واتباع الأسلوب الأمريكي معهم المعروف باسم “التسامح الصفر”، بمعنى عدم التسامح مع أي شحاذ أو متشرد يكتسب المال بطرق احترافية. وقد رد رئيس تحرير المجلة المذكورة على تصريح المسؤول الحزبي البريطاني قائلا إن هذا الأخير يحاول القيام بعملية تجميل لحزب العمال لكي يجتذب أصوات المحافظين… عجيب! متسولون ومثقفون أيضا، يفهمون في السياسة وفن الجدل، وليس فقط في تقنيات التسول ومواصفات المهنة وشروط الانتساب إليها! وعلى ذكر هذه الشروط، تحدث بعض المتتبعين عن وجود مدارس متخصصة في إحدى المدن العربية لتعليم الأطفال الأسلوب الأمثل للتسول، ويشرف على هذه المدارس عادة شحاذون “متقاعدون”.

وللتدليل على أن هذه “المهنة” تساير عصرها وتطوراته التكنولوجية، نستشهد بما جرى في إحدى المدن الأمريكية، فقد تفتقت عبقرية أحد الأمريكيين على إنشاء موقع على شبكة الإنترنت، يطلب فيه من كل زائر ــ أينما كان على وجه الكرة الأرضية ــ أن يرسل له دولارا واحد فقط لا غير، وذلك عن طريق بطاقات البنكية، واستطاع ذلك المتسول الأمريكي العصري أن يجمع أزيد من 300 ألف دولار خلال فترة وجيزة، مما جعل الكثيرين في بقاع مختلفة من العالم يقلّدونه في هذا الأسلوب المبتكر، مُستعينين بخبرة منظمة أُسّست خصيصًا لتعليم الراغبين في التسول عبر الإنترنت.

غير أن بعض المتسولين يتركون الأدوات التقنية جانبا ويعتمدون فقط على دهائهم وحيلتهم لاستدرار عطف ضحاياهم والظفر منهم بمبالغ مالية محترمة. فبعضهم يقف أمام المارة مدعيا أنه من مدينة أخرى نائية وأنه أضاع محفظة نقوده وبالتالي يحتاج لشيء من المال ليقتني بطاقة سفر، وآخر يفتعل وجود عاهة في جسمه، وثالث يشهر في وجه الناس علب وأوراق أدوية زاعما أنه محتاج إليه بسبب معاناته مع مرض مزمن… وهكذا دواليك.

حقا، إن التسول فنون وجنون!

ذات صلة