حرب الأشباح!

الطاهر الطويل

المواطنون العرب نوعان: نوع تُطبَّق عليه مختلف القوانين ويؤدي الضرائب ويدلي بصوته خلال الانتخابات؛ ونوع آخر “مَرضي” عليه، لا يخضع لأي قانون بما في ذلك قانون السير، إذ بإمكانه ارتكاب مخالفات وهو يعلم أنه لن يُعاقَب ولن يردعه رادع. ضمن هذا النوع يندرج من يُطلق عليهم “الموظفون الأشباح” الذين يعاني منهم أكثر من بلد عربي. والمقصود بهم أولئك الذين قلما تطأ أقدامهم عتبات الإدارات العمومية التي ينتمون إليها، ومع ذلك تمرّ رواتبهم الشهرية نحو حساباتهم البنكية بشكل منتظم.

ولأنهم بالفعل أشباح، فهم يخيفون كل مَن يحاول الاقتراب من ظلالهم أو يريد التفتيش عن أسمائهم ضمن قائمة الموظفين. حتى الحكومات العربية التي تمتلك ما لا عدّ ولا حصر له من وسائل التنفيذ والأمر والنهي، لا تستطيع أن تنتصر على “الأشباح” وتُوقِف عنهم صنابير المال العمومي الذي يبتلعونه دون أن يعرقوا من أجله كباقي الموظفين. أو على الأقل تجبرهم على مزاولة مهامهم التي يتقاضون عنها الأجور، أو تعاقبهم عن كل تغييب عن العمل بالطرق القانونية المعمول بها مع باقي الموظفين. فالأشباح مُعفَوْن من تحمّل أعباء العمل اليومي، ومن طائلة المحاسبة عن كل تقصير أو تأخّر أو تغيّب بدون عذر.

ولذلك، ننصح تلك الحكومات ــ إن هي رغبت في حل المشكلة ــ بالاستعانة بأبطال الفيلم الأمريكي الشهير “صائدو الأشباح” لمخرجه “إيفان ريتمان”، فإن لم تعثر على أولئك الممثلين بسبب كثرة انشغالاتهم، فلتبحث عن إحدى الشركات الغربية التي استلهمت فكرتها من الفيلم المذكور، وصارت تعرض خدماتها عبر العالم لكل من يريد طرد الأشباح من بيته أو مؤسسته!

لكن التصدي للموظفين الأشباح في جل المؤسسات الحكومية العربية يعدّ مهمة عسيرة وتعترضها عدة عوائق، أولها أن عدد الأشباح المنتشرين في الوظائف العمومية كبير. وثانيها أنهم واثقون تمام الثقة، أنه ليس باستطاعة أي مسؤول حكومي مهما علا شأنه أن يمحو وجودهم من قائمة الموظفين، وذلك لكونهم ــ حسب ما يظهر ــ يتمتعون بحماية الذين منحوهم تلك المناصب بناء على توصية مكتوبة أو حتى شفوية موجهة إلى المسؤولين المباشرين في الوزارات والمصالح الإدارية العمومية.

هذه الظاهرة مثال جلي لسيادة منطق الزبونية والعلاقات العائلية والشخصية في عملية التوظيف داخل أكثر من بلد عربي. كما أنها دليل على سياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع المواطنين عامة والموظفين خاصة. وهي ــ ثالثا ــ دليل على أن القانون في القاموس المتداول عربيا ليس أكثر من آلة موسيقية، وليس معناه المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات.

لا أحد، إذن، يمتلك جرأة الاقتراب من كهوف الأشباح، خشية أن تصيبه حالة تشبه “لعنة الفراعنة”.

ذات صلة