من دلالات فوز تلميذة مغربية بتحدي القراءة العربي

الطاهر الطويل
كانت التلميذة المغربية مريم أمجون، ذات التسع سنوات، نجمة العديد من القنوات التلفزيونية العربية خلال الأيام المنصرمة، إذ استرعت انتباه المشاهدين بطلاقة لسانها وسلاسة كلماتها وتلقائيتها في التعبير. كما أنها كانت تجيب على أسئلة محاوريها بثقة كبيرة في الذات. لِـمَ لا، وهي الفائزة بجائزة “تحدي القراءة العربي” من بين مئات الآلاف من التلاميذ العرب المشاركين في المسابقة.
ومما جعل التلميذة مريم تجتذب الأضواء أيضا فصاحتها في الحديث باللغة العربية، فضلا عن تسلسل أفكارها وقدرتها على صوغ جمل ذات تراكيب بديعة واستشهادها بأبيات شعرية وأقوال خالدة.
حالة التلميذة المغربية حملت رسائل بليغة لأكثر من جهة، وأعطت دروسا بليغة لأكثر من مسؤول. فصعود نجم مريم أمجون جاء بعد حملة هوجاء ضد اللغة العربية الفصحى، كان الهدف منها (وما زال) إقحام العامّية في الكتب المدرسية الخاصة بتلاميذ الأقسام الابتدائية. وانخرط في هذه الحملة رجال مال وأعمال وسياسيون من أنصار “الفرنكوفونية”، محاولين الترويج لها عبر مختلف الوسائل.
ولعل مما يثير المفارقة والاستغراب، أنه بينما كانت بطلة “تحدي القراءة العربي” لهذا العام تتحدث بلغة الضاد للقنوات الإذاعية والتلفزيونية، كان مسؤولون مغاربة في مؤسسة جامعية يتكلمون باللغة الفرنسية في ملتقى أكاديمي بمدينة سطات؛ لكن ممثّـلة سفارة الصين في الرباط آثرت التحدث باللغة العربية، فبَـدَا كما لو أن الضيفة الأجنبية احترمت دستور المغرب، فيما ضرب به أبناء البلد عرض الحائط!
ومن سخرية الأحوال أن بعض مسؤولي وزارة التعليم في المغرب حاولوا الركوب على النجاح المدوّي الذي حققته مريم أمجون في دبي، من خلال افتعال حدث إعلامي غطّته القنوات المحلية، سعيـًا إلى إيهام الرأي العام بأن ذلك النجاح دليل على نجاعة السياسة التعليمية في البلد. والأمر غير صحيح، فما وصلت إليه مريم كان بفعل موهبتها ومثابرتها وحرصها على النهل من الكُتب، وبتشجيع من والديها. وإلاّ، ألا يخجل مسؤولو التعليم من أنفسهم والواقع شاهد على تردّي القطاع، إنْ من حيث المناهج، أو من حيث البنى التحتية، أو من حيث المكتبات المدرسية الغائبة في المؤسسات التعليمية إلا في ما ندر؟ بالإضافة إلى الظروف القاسية التي يُمارِس فيها المعلّمون والمعلّمات عملهم التربوي النبيل، ولا سيما في الجبال والأرياف والمناطق النائية.
ولذلك، لا ينبغي أن يمرّ المرء مرور الكرام على حدث تألق مريم أمجون ودلالاته المتعددة، خاصة وأنه حطّم مقولة “القدوة” التي تسعى بعض القنوات التلفزيونية إلى تجسيدها، من خلال تكريس مُنشّطين وإعلاميين (من كلا الجنسين) لا رصيد لهم غير الخواء المعرفي والثرثرة الكلامية بلُغة سوقية وغير الوقاحة في استفزاز ضيوف برامجهم، وأيضا من خلال الترويج المكثف لأصوات غنائية بعينها تملأ السهرات والبرامج الفنية زعيقًا ونشازًا، والفن منها بريء براءة الذئب من دم يوسف!
ومما يجدر ذكره، أن فوز التلميذة أمجون بـ”تحدّي القراءة العربي” تَزامَنَ مع تألّـق مغربية أخرى في الإمارات العربية المتحدة، يتعلق الأمر بالأديبة عائشة البصري التي فازت بجائزة “أفضل رواية” في معرض الشارقة الدولي للكتاب. ولا شك في أن هذين الحدثين اللذين جاءا بتاء التأنيث من شأنهما أن يُسهما في تصحيح الصورة النمطية الخاطئة عن المغرب في الذهنية المشرقية (جلها وليس كلها طبعا)، والتي تجسدت مثلاً في المسلسل التلفزيوني السعودي “شير شات” المسيء إلى المغرب والمغربيات.

ذات صلة