أسبوع الانتقام لعرق السيسي في مصر

لم يبتلع الإعلاميون الموالون للنظام في مصر، بعد، ما جرى لرئيسهم عبد الفتاح السيسي خلال مقابلته مع قناة «سي بي أس» الأمريكية، حين ظهر في صورة لا يرضاها أحد لصديق أو حبيب، فبالأحرى لرئيس ملأ الدنيا وشغل الناس بسيرته الغريبة.
ومن أجل الثأر للعرق الذي تصبب من وجه الرئيس، نتيجة الأسئلة المباغتة للصحافي «سكوت بيلي»، لم يجد إعلاميو النظام بُدًّا من توجيه السهام إلى المنظمة الحقوقية الأمريكية «هيومن رايتس ووتش»، متّهمين إياها بنشر مغالطات حول وضعية حقوق الإنسان في مصر. وللتذكير، فهذا الموضوع شكّل محور سؤال طرحه صحافي «سي بي أس» على السيسي، فكان سببا في حالة الارتباك والعرق التي شاهدها العالم، وحكاها الحاضر للغائب صوتًا وصورة.
ووجد الإعلام المصري الرسمي والموالي في ما سماه «نتائج تحقيق» النيابة العامة حول تقرير المنظمة الأمريكية، «عصا» سحرية لتبييض سِجلّ النظام من الاتهامات الحقوقية، وفي الوقت نفسه لمهاجمة «هيومن رايتس ووتش» وبعض المؤسسات الإعلامية الأمريكية والعربية.
ومن بين السائرين على هذا النهج التطبيلي أسامة كمال في قناة «»دي أم سي» الذي لم ترقه طريقة تعامل الموقع الإلكتروني لقناة «سي أن أن» (بالعربية) مع بلاغ النيابة العامة المصرية، عندما نشر ملخصا للتقرير مصحوبا بصورة أرشيفية لمواطن ملتصق بإسفلت الشارع ويده مربوطة في الخلف، بينما توجّه قوات الأمن القنابل المسيلة للدموع نحو المتظاهرين.
أسامة كمال اعتبر أن تقديم الخبر بهذه الطريقة يوحي بأن بلاغ النيابة العامة لا يقول الحقيقة. وفي رأيه، كان حريًّا بالقناة الأمريكية أن تقتدي بما فعتله الصحافة المصرية (أليست هي أمّ الصحافة العالمية؟) أي أن تنشر البلاغ مرفقا بصورة للنائب العام، مثلا، وليس أن تنشره بصورة تبرز مواجهة الشرطة لمتظاهرين. وخرج الإعلامي المصري المذكور باستنتاج مفاده أن «سي إن إن» تمارس «شغل» الصحافة الصفراء، إذ تكذب لتثير الانتباه أو لتمرير رسالة سياسية من شأنها أن تجعل القارئ يشكك ما جاء في بيان النائب العام.
وحذا حذوه أحمد موسى في قناة «صدى البلد»، إذ لم يكتف بنعت تقرير المنظمة الأمريكية بالكذب والبهتان ونشر معلومات مضللة ومفبركة، بل ألقى الكلام على عواهنه قائلا إن: «هيومن رايتس ووتش» منظمة إرهابية وتتعاون مع الإرهابيين، لا لشيء سوى لكونها تتحدث عن انتهاكات لحقوق الإنسان في بر مصر.
والواقع أن مَن يسمع هذا الكلام والكلام الذي جاء بعده، ستساوره شكوك حول حالة مذيع قناة «صدى البلد»، بما أنه صنّف في خانة «الإخوان» كلّ من ينتقد نظام السيسي ويكشف عن انتهاكاته الحقوقية، حتى ولو كان المنتقد ذا فكر ليبرالي تحرري علماني، على غرار الإعلامي المغربي «المشاكس» أحمد رضا بن شمسي (مدير التواصل بقسم شرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش) وكذا الناشطة الأمريكية سارة لي واتسون المدافعة عن قضايا حقوق الإنسان في العالم عموما والوطن العربي خصوصا.
وكمَن عثر على حل للغز معقّد، كاد أحمد موسى أن يقفز من على كرسيه ويجري وسط الناس مردّدًا قولة العالم اليوناني القديم أرخميدس: «وجدتها… وجدتها!» (طبعا مع الفارق في القيمة بين الرجلين)، حيث قال موسى: إن سارة لي واتسون دائما ضيفة (معزومة) إمّا قطريا في قناة «الجزيرة»، وإمّا إخوانيا في قناة «الشرق». وهكذا، صارت تهمة الانتماء إلى «جماعة الإخوان» لصيقة ـ في عُرفه ـ بكلّ من يظهر على «الجزيرة» أو «الشرق»… حتى ولو كان بعيدا بُعد السماء عن الأرض، عن توجّه «الإخوان» وعن فكرهم.
وفي حركة بهلوانية استعراضية، رمى أحمد موسى مجموعة من الأوراق التي كانت بين يديه تحت رجليه، مرددا إن تقرير «هيومن رايتس ووتش» لا يستحق أن يكون إلا تحت الحذاء، وكذلك كلّ من كتب ذلك التقرير أو دافع عنه. ثم ابتسم كما لو أن المشكل انتهى، أو كما لو أن انتهاكات حقوق الإنسان اختفت من مصر نهائيا، أو كما لو أن عقدة عرق السيسي قد زالت. وهكذا يكون الثأر لسيادة الرئيس وإلا فلا!

لقاء ماكرون ثمنه «الخيانة العظمى»!

بيد أن متاعب السيسي لا تنتهي، فها هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستغل زيارته إلى مصر ليلتقي عددا من الحقوقيين المصريين والذين وصفهم أحمد موسى بـ»العيال». لقاء لم يرق لبعض محاميي النظام، فرفعوا بلاغا ضد الحقوقيين إلى النائب العام بتهمة «الخيانة العظمى والاستقواء بالخارج ونشر تهم كاذبة». لكن أحد الذين استقبلهم ماكرون، جمال عيد (مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان) قَـلّـل من ذلك البلاغ؛ فالمعركة ـ كما قال في حديث لقناة «العربي» ـ ليست ضد هؤلاء، وإنما ضد «الكبار» الذين يسلبون المصريين حقهم في الديمقراطية والحرية، والذين يدوسون على القانون يوميا. وأضاف أنه، ومن معه في الصف الحقوقي، سيستمرون في الجهر بكلامهم والتعبير عن آرائهم، وسيستجيبون لدعوة مَن يرغب في لقائهم، باستثناء جهتين: إسرائيل والسعودية لأنهما وجهان لعملة واحدة، على حد تعبيره.

الانفلونزا وكلام المسؤولين!

لا تكاد أية نشرة إخبارية في التلفزيون المغربي، هذه الأيام، تخلو من الحديث عن الزكام ومضاعفاته، بسبب حالة البرد التي تجتاح البلاد وما يتصل بها من أمراض موسمية. وبينما تتحدث شبكات التواصل الاجتماعي عن وجود «أنفلونزا الخنازير» التي أدت إلى وفاة سيدة حامل، يأتي مسؤولون حكوميون إلى التلفزيون ليس ليبددوا المخاوف، وإنما ليعقدوا الأمور أكثر، من خلال الإغراق في الحديث عن معطيات تقنية وطبية حول «الحالة الوبائية للأنفلونزا»، مثلما فعل أنس الدكالي (وزير الصحة المغربي). ورغم أن هذا الأخير حاول التأكيد على أن الحالة عادية، فإنه تكلّم لغة بعيدة عن فهم المواطن البسيط، لغة «لا ترفع غباوة ولا تزيل غشاوة»، كما يقال.
واستضافت نشرة إخبارية أخرى مسؤولا آخر من وزارة الصحة، بدا جادا في حديثه، لكنه سرعان ما أخرج من جيب سترته منديلا ورقيا «كلينكس»، وقدم لجمهور المشاهدين توضيحا حول كيفية تفادي انتشار عدوى الزكام، بوضع «الكلينكس» على الأنف… وكأنه يعرض اكتشافا عظيما يجهله المغاربة… ثم عاد لإخفاء «الكلينكس» في جيبه، وشرح طريقة أخرى لتفادي العدوى في حال غياب المنديل الورقي، وذلك بوضع كم السترة أو القميص على الأنف. وكان لا بد لمقدمة النشرة أن تشكره على «كل هذه التوضيحات» التي قدّمها للمشاهدين الكرام! فعلا، لقد قام بجهد كبير يستحق عليه كل الشكر والثناء، هو والوزير المذكور.
هكذا هم بعض المسؤولين المغاربة حين يأتون إلى التلفزيون، فهم إما يتحدثون كلاما فضفاضا من صنف لغة الخشب، وإما يحاولون لفت الانتباه بعبارات أو حركات لا تقدّم ولا تؤخّـر؛ بينما تبقى الحقيقة أو المعلومة التي ينتظرها المواطن مطلبا بعيد المنال!
الطاهر الطويل

ذات صلة