أي شبه بين بوتفليقة ونابليون؟

يسعى الإعلام الفرنسي، هذه الأيام، إلى البحث عن أي قضية خارجية ليسلط الضوء عليها بقوة، من أجل التنفيس عن الأزمة الاجتماعية المستمرة في البلاد التي تجسّدها حركة «السترات الصفراء».
ومن ثم، تحتلّ مستجدات الساحة الجزائرية حيّزا وافرا في النشرات الإخبارية والبرامج الحوارية بالقنوات الفرنسية. يعكس هذا الاهتمام حالة الترقب والتوجس التي تعتري المسؤولين الفرنسيين حول مآل الحراك الذي أدى إلى الإطاحة بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة. ولذلك، نجد البرامج التلفزيونية الفرنسية تدور حول عناوين دالّة من قبيل: إلى أين تسير الجزائر؟ تحديات ما بعد بوتفليقة في الجزائر؛ مَن ينتصر في النهاية الجيش أم الشارع؟ انتهى بوتفليقة، فهل سينتهي نظامه؟
الطريف في المسألة أن المشاركين في أحد البرامج الحوارية الفرنسية ربطوا بين عبد العزيز بوتفليقة والامبراطور نابليون بونابرت، وصرحوا بأن الرئيس الجزائري المستقيل ـ مكرها ـ كان يَردّ على مَن يُشير باللمز والهمز والغمز إلى قامته القصيرة، بالقول إنه أطول من بونبارت بثلاثة سنتيمترات، والحال أن طول بوتفليقة ـ كما قالوا ـ لا يتعدى متراً و59 سنتم، في حان كان طول بونابرت متراً و69 سنتمتر! أما القاسم المشترك بينهما فهو «جنون العظمة»، حسب المشاركين في برنامج بُثّ على القناة الخامسة الفرنسية منذ بضعة أيام. لكنّ كلامهم، وإن اكتسى طابع الطرافة والمزاح، بَدَا تجسيدا لعُقدة التفوق التي تعتري الكثير من المسؤولين الفرنسيين تجاه مستعمراتهم السابقة. هكذا، يكون الامبراطور الفرنسي متفوقا على الرئيس الجزائري (المخلوع) حتى في قصر القامة!
والملاحظ أن الإعلام الفرنسي يحاول أن يبعد «تهمة» تدخل بلاده في ما يجري بالجزائر، معللا بأنها لا تملك الإمكانيات ولا المشروعية لفعل ذلك، وإن كان الإعلام نفسه ينقل مخاوف المسؤولين من أن يؤدّي عدم الاستقرار إلى تدفق أفواج من المهاجرين الجزائريين نحو فرنسا. ولذلك، حين طُلب من وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان التعليق عن مستجدات الأوضاع في الجزائر، اكتفى بالإشارة إلى قدرة الجزائريين على مواصلة التحول الديمقراطي الذي يؤسسون له.

عدو في جبة صديق!

بيد أن هذا السلوك لا يصمد أمام التحليلات العميقة والجريئة للشخصيات ذات المصداقية، مثل الكاتب والصحافي البلجيكي ميشيل كولون المعروف بمواقفه المناهضة للإمبريالية الجديدة، ففي حوار مُسجّل معه يُتداول حاليا بكثرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، أوضح أن فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية تتنافسان من أجل التحكم في مجريات الأمور في الجزائر، هدفهما من ذلك مراقبة منابع النفط والغاز والتوجهات الاستراتيجية والتحكم أيضا في خيرات الصحراء ويورانيوم النيجر. كما أن البلدين المذكورين يحاولان استغلال الأحداث الجارية لوضع أيديهما على الجزائر، بهدف تثبيت مسؤولين يتحكمان فيهم مثل الدمى، على غرار سلوكهما في الكثير من بلدان العالم.
ويقول المحلل البلجيكي أيضا، إن هناك منافسة قوية بين فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية اللتين تحاولان الظهور بمظهر الصديقين، ولكنهما تتصارعان من أجل الظفر بالأسواق والتحكم في الموارد الاقتصادية. إنهما ليستا صديقتين للشعب الجزائري، رغم التظاهر بالجوانب الإنسانية وشعارات الديمقراطية، فهما تسعيان لتكريس الفقر والهيمنة والاستعمار.
وحين سئل ميشيل كولون عن موقفه الصريح من الانتفاضة الجارية في الجزائر، قال إنه يميز بين مسألتين: هو مع هذه الانتفاضة إذا كان هدفها الحقيقي توظيف الثروات الطبيعية من أجل رفاهية المواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية. ولكنه ضدها إذا كانت تُستغل لأغراض استعمارية لفائدة القوى العظمى، مستدلا على ذلك بما حدث في العراق وسوريا وليبيا واليمن…

تكريس الفرنسية!

أما المغرب الرسمي، فإنه ـ لحد الآن ـ يرفض التعليق على مستجدات الأوضاع في جارته الشرقية الجزائر؛ لأن «اللي فيه يكفيه» كما يقول المثل الدارج، فلديه من المشكلات ما يجعله في غنى عن الخوض في أمور الآخرين، خاصة أمور الجيران الذين يرفعون «فزاعة» نزاع الصحراء ويُعلنون دعمهم لجبهة «البوليساريو» بمناسبة أو بدونها. (أما مواطنو البلدين وطبقاتهما الثقافية والفنية وغيرها… فهم في منأى عن مثل هذه الصراعات ذات الطابع السياسي، ويؤكدون أكثر من مرة على روابط الدم والأخوة التي تجمعهم.)
المغرب الرسمي مشغول بمشروع قانون للتعليم، ويعيش سباقا محموما من أجل فرضه وتمريره في البرلمان، تحت ذريعة «التوافق»، وهو قانون يروم تكريس الهيمنة الفرنسية على المناهج والمقررات التعليمية المغربية، عبر إقرار الفرنسية لغة للمواد العلمية والتقنية، ومحاربة اللغة العربية.
يتذرع المسؤولون المغاربة بكون التعريب أعلن فشله في التعليم المغربي، وأيضا بكون اللغة الفرنسية تفتح المجال أمام الطلبة للاندماج في المجال المعرفي والاقتصادي داخليا وخارجيا. أكثر من ذلك، أن وزير التربية الوطنية، سعيد أمزازي، الذي يبدو أكثر حماسا واندفاعا لفرض الفرنسية في البرامج التعليمية، ظهر عشية الأحد على شاشة القناة الثانية وهو يحاول تبرير هذا النهج، بالقول إن القانون الجديد سيضمن «عدالة اجتماعية» للتلاميذ المغاربة، بتوفير كل الفرص لهم ـ مهما كان وسطهم الاجتماعي ـ لتلقي تعليم متكافئ باللغة نفسها: الفرنسية؛ بدل أن يكون تلاميذ المؤسسات العمومية يتلقون المواد العلمية بالعربية، بينما يتلقاها تلاميذ المؤسسات الخاصة باللغة الفرنسية.
ويتجاهل المسؤول نفسه أنه، حتى في حال إقرار الفرنسية في مختلف المدارس والمستويات التعليمية، سيظل الفرق قائما بين التلاميذ، وتبقى الفرص غير متكافئة بينهم. فالأبناء الذين يخاطبهم آباؤهم بالفرنسية داخل البيوت وفي الأماكن العامة، سيسهل عليهم التواصل بهذه اللغة في الأقسام الدراسية، لا سيما وأنهم يدرسون عادة في التعليم الخصوصي. في حين أن الطفل الذي يتحدث بالعامّية أو بالأمازيغية فقط مع والديه وأصدقائه وأقاربه، لن يكون ذا حظ وافر في التعلم بالفرنسية ـ عادة ـ في المدارس العمومية، دون أن نغفل تدني مستوى التلقين بهذه اللغة خلال السنوات الأخيرة.
حين سُئل وزير التربية الوطنية، لماذا لا يسجل المسؤولون المغاربة أبناءهم في المدارس العمومية (الحكومية)، ويفضلون عليها المدارس الخاصة، عزا ذلك إلى تراجع مستوى الأولى، وقال إنه إذا جرى الشروع في إصلاح التعليم من الآن، فبعد عشر سنوات يمكن لتلاميذ المسؤولين المغاربة أن يدرسوا في المدارس العمومية!
للتذكير، فصاحب هذا القول لا يدرّس فلذات كبده لا في التعليم العمومي ولا الخصوصي، بل يدرسّهم في مؤسسة تابعة للبعثة الفرنسية في المغرب!
ولو حصلت هذه السابقة في أحد البلدان المؤمنة بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية لأُقيل الوزير المعني، أو لرُفض ترشيحه لتولي حقيبة التربية الوطنية منذ البداية. ولكنه المغرب يا ناس… !«الله غالب» على حد تعبير معتز مطر.

٭ الطاهر الطويل

ذات صلة