الحداثيون وصفوه بالإخواني… السلفيون وصفوه بالليبرالي والعلماني والرأسمالي… بعضهم ألصق به «تهمة» الولاء لقطر، ونعته بالاصطفاف ضمن دائرة علماء السلطان… والبعض الآخر أدرجه ضمن جماعة موصوفة بالإرهابية… أما هو، فيؤكد أن هذه الأوصاف لا تعنيه في شيء، وإنما تلزم مَن يطلقها فقط، ويقول إن مواقفه وآراءه يعبّر عنها من خلال مقالاته وكتاباته وحواراته.
إنه العالم المغربي الدكتور أحمد الريسوني، الرئيس الجديد للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي استضافه برنامج «بلا قيود» منذ أيام، على القناة العربية لـ»بي بي سي» البريطانية، حيث قال إنه يتحدث في حدود الإسلام الذي فتح الباب واسعا للاجتهاد والتجديد، والذي تمتاز أصوله بـ»مرونة مقاصدية» (نسبة إلى فقه المقاصد).
منطقيا، كان لا بد لمسار الحوار الذي امتد زهاء نصف ساعة أن يعرّج على السعودية، نظرا للمتغيرات والأحداث التي تقع هناك تباعا. ومن ثم، استحضر معدّ ومقدم البرنامج، الإعلامي نور الدين زورقي، حديث ضيفه عن «الإسلام السعودي» في مقال نشر منذ عام. سأله عمّا إذا كان متشبثا بالكلام نفسه؟ فأجاب الريسوني: «نعم، ما زلت متشبثا به، ولا تزيدني الأيام إلا تشبثا.» وبرأيه، فالسعودية اليوم تهدم ما كانت عليه وما سارت عليه منذ عقود، وزاد موضحا أن الإسلام السعودي ليس هو بالضبط الوهابية، وليس هو السلفية، ولا فكر ابن تيمية، إنه إسلام يأخذ من هنا ومن هناك، هذا الإسلام الذي صارت عليه السعودية سبعين أو ثمانين سنة، الآن يهدمه أصحابه ويتبرؤون منه، لأنه أنتج كوارث وشوّه الإسلام ولوّث سمعة المسلمين، فمشايخ المملكة والقائمون على مؤسساتها الدينية ومذهبيتها نسجوا أفكارا ومواقف خاصة بهم، إذ تميزوا بالتشدد والانغلاق.
ولا شك في أن الريسوني، وهو يتحدث إلى «بي بي سي»، كان يستحضر التحول المفاجئ بـ180 درجة الذي حصل لدى بعض رجال الدين السعوديين، من تشدد مفرط في أمور الإسلام، إلى تمجيد للانفتاح ولكل مظاهر التغيير التي يرعاها ولي العهد محمد بن سلمان.
أفتنا يا شيخ!
آخر مثال على هذا التحول الحاصل في مملكة آل سعود، استضافة عدد من المطربين العرب لإحياء حفلات فنية بمناسبة مطلع العام الميلادي الجديد.
ولأن لكل جديد دهشته وصدمته أيضا، فلم يكن لسهرة المطربة ماجدة الرومي في المدينة المنورة أن تمر مرور الكرام، حيث خلفت تعليقات وردود فعل كثيرة. ومن بينها تعليق صاحب «ابن البلد» في قناة «الشرق» الفنان هشام عبد الله بالقول إن النظام السعودي الحالي يحاول أن يحسن صورته أمام الغرب بحفلات في أكبر بلد إسلامي، يحوي الحرمين الشريفين، ويتصور أنه بذلك يكسب ود الغرب.
وعاش السعوديون، حتى رأوا مَن كان يفتي بتحريم الموسيقى حتى عهد قريب، أصبح اليوم يجيزها، ما دامت تقع في «دولة رشيدة وقيادة حكيمة»، والعبارة لمفتي بلاد الحجاز جاءت جوابا على سؤال وَرَدَ في اتصال هاتفي بأحد البرامج السعودية منذ عدة شهور.
صحيح أن مسألة الحرام والحلال في موضوع الموسيقى والغناء قد حُسم فيها نهائيا في ظل الحكم الجديد ببلاد الحرمين الشريفين، حيث اختارت القيادة الانفتاح، وجسدت توجهها بإحداث «وزارة للترفيه»؛ بيد أن وقع الصدمة واستيعاب التحولات الجذرية لم يحدثا بعد بالسهولة المتوقعة في أوساط المجتمع المحلي. وهذا ما يفسر ـ ربما ـ إيقاف البث التلفزيوني للسهرة التي أحيتها المطربة ماجدة الرومي في المدينة المنورة، وإقالة مدير القناة السعودية. وبرر بلاغ صدر في الموضوع هذا القرار بأن بث تلك السهرة لا يتناسب مع توجه القناة التي تنقل الصلوات الخمس. كما أن المشاهد في ذلك الحفل لا تناسب العادات والتقاليد السعودية!
وكان مدير القناة بمثابة «الحبل القصير» الذي مُسح به الخطأ، ليكون كبش فداء التحول الفجائي الحاصل هناك، حيث الموسيقى والغناء دليل على إسلام مرن وعصري ومنفتح، يُنسي العالم في إسلام التشدد والتطرف الذي شكل ورقة سياسية بالأساس، طالما استُـغلت لعدة أغراض في صراع موازين القوى إقليميا ودوليا.
وبالموازاة مع حكاية حفل ماجدة الرومي، فإن لوجود فنان لبناني آخر في الديار السعودية حكاية تستحق أن تروى. إنه وليد توفيق الذي يبدو أنه لم يصدق أنه سيغني فعلا في السعودية، وأنه ـ كما قال معتز مطر ـ سيستقبل بالفرح في المطار، ولن يقع له ما وقع لابن بلده الرئيس سعد الحريري.
والظاهر أن وليد توفيق تذكّر أغنيته «انزل يا جميل في الساحة.. وتمختر كذا بالراحة»، وراح «يتمختر» في السعودية ـ والاستعارة هنا للفنان الإعلامي هشام عبد الله ـ وزار وليد منطقة أثرية لمدائن صالح، فقال في تصريحات صحافية بكل عفوية وجهل في آن إنه سعيد بوجوده في «مقابر الصالحين». لكن، من يكون هؤلاء الصالحون؟ إنهم قوم ثمود الذين أهلكهم الله. وهذا جهل مزدوج من الفنان نفسه، ومن القائمين على الرحلة الترفيهية.
زمن الرويبضة!
ومن باب الجهل أيضا ما وقع لبعض المسؤولين السعوديين الذين ضاعت بوصلتهم هذه الأيام، فأقحموا براءة الأطفال الصغار في ترويج خطاب الحقد والكراهية والبغضاء تجاه أشقائهم القطريين. لقد تفتق الخيال البئيس لدى أولئك المسؤولين بإنجاز أغنية مصورة كرتونيا، عنوانها «صب يا مطر بالدوحة». فبعد فشلهم سياسيا واقتصاديا وعسكريا وإعلاميا أمام قطر، لم يجدوا غير الأطفال لمهاجمتها. ولذلك، تساءل الإعلامي هشام عبد الله: هل نربي أطفالنا هكذا بشكل معيب؟ «إنه زمن الرويبضة الذي يتكلم باسم العامة».
أكيد أن العديد من المواطنين السعوديين الفضلاء، من مختلف الفئات الاجتماعية والثقافية والعلمية وغيرها، لن يرضيهم هذا المستوى المنحط من التعامل إزاء الأشقاء؛ ولكن، «لا رأي لمن لا يطاع» كما قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
استهلال شعري!
الإعلامي معتز مطر، صاحب البرنامج الشهير على قناة «الشرق» المعارضة، اختار أن يبدأ العام الجديد بمقدمة استقاها من قصيدة للشاعر المصري المعاصر الشاب أحمد حمدي إبراهيم، مما جاء فيها:
فأول يوم فهذا العام
ألفين وتسعة عشر
المجد لكل من تحدى ظالما
ولم يؤله بشر
المجد للأحرار اللي غنوا
لكل حاجه حلوة رغم الاضطهاد
المجد للي بيرفضوا
يحنوا الجباه إلا أمام رب العباد
المجد للي هيفهموا
إن الكرامة أهم من طعم الدقيق
حرية الأوطان يجوز
تمنها غالي لكنها مفتاح وحيد للطريق
الطريق مليان مهالك
جنرالاته وسبوباته مسيطرة
انهيارهم رهن صوتكم
كله يقلب عبلة لما الشعب يرجع عنترة…