جزائريون “يعيدون” بوتفليقة إلى الحكم… و”الزعيم” شاغل المصريين بغيابه!

جاء رمضان الكريم، وعادت معه مهازل الكثير من التلفزيونات العربية التي تحاول استبلاد المُشاهدين، من خلال فقرات كوميدية مُغرقة في الإسفاف، وبرامج كاميرا خفية “مفبركة” بشكل واضح، والعديد من الوصلات الإعلانية المكثفة ذات الخطابات الإغرائية التافهة.
من بين نقط الضوء القليلة التي تبدّت خلال الأيام الأولى من هذا الشهر العظيم، فقرة “الكاميرا الخفية” في القنوات الجزائرية. صحيح أن بعضها بالغ في استفزاز ضحايا المقالب، لدرجة اللعب على أعصابهم ودفعهم إلى العنف، لكن قنوات تلفزيونية أخرى بحثت عن طريقة تبدو معها تلك الفقرة خفيفة وممتعة ومفيدة، ومن بينها قناة “الشروق” التي جعلت من “الكاميرا الخفية” مناسبة لإحياء النكتة السياسية، في مواجهة الموضوعات المبتذلة المنتشرة عبر قنوات أخرى.
طرحت “الشروق” مقلبا طريفا يقع فيه “ضحايا” الكاميرا الخفية، من خلال الزعم بعودة عبد العزيز بوتفليقة لرئاسة الجزائر. يستقلّ “الضحية” سيارة أجرة صغيرة. وبعد لحظات من السير والدردشة، يُشغّل السائق المذياع، حيث يُسمع صوت مذيع يعلن عودة بوتفليقة إلى الحكم، بذريعة انسداد الواقع حاليا في البلاد وخطورة الوضع، ويزعم المذيع أن الرئيس المتنحي بعد انتهاء ولايته وجّه رسالة إلى الشعب الجزائري، تقول الرسالة المزعومة إن هذا الأخير مدفوع إلى المظاهرات من طرف جهات لم تُحدَّد بالاسم، وإن كان الرئيس المتنحّى يعلم أن المواطنين يحبّونه (!) ولذلك عاد إليهم ليواصل المسيرة التي بدأها معهم منذ عشرين سنة، معلنا أنه سيلغي كل القرارات التي صدرت بعده وسيعاقب كل من تسبب في الفوضى… مثلما يَرِدُ عبر صوت المذياع “المفبرك”.
الكاميرا الخفية المندسّة في سيارة الأجرة الصغيرة ترصد ردود فعل الزبون من “الخبر” المفاجئ، ويحاول السائق وصاحبه الجالس بمحاذاته استدراج “الضحية” ليعبّر عن موقفه صراحة من عودة بوتفليقة المزعومة إلى الحكم، مما يكشف عن مواقف طريفة تعكس نمط التفكير لدى المواطن ومدى تفاعله مع جرعة حرية الرأي والتعبير التي بدأت تتسع في البلاد.
وبعيدًا عن أبعاد هذه النكتة السياسية التي تجسدها الكاميرا الخفية، فإن فكرة الحلم بعودة الرئيس المستبدّ ليست غريبة عن العقلية العربية، فقد وجدنا خلال السنين الأخيرة الكثير من العراقيين يتمنون عودة الرئيس الراحل صدام حسين، في ظل الصراع الطائفي الحالي، وشاهدنا أكثر من مواطن (وبينهم شيعة) يتحدثون بالصوت والصورة، قائلين إنهم يفضّلون ديكتاتورية تحفظ الأمن عن ديمقراطية تؤدي إلى التشتت والتشرذم، حيث لم يعد في البلد صدام واحد وإنما 20 صدام شيعي و30 صدام سني و40 صدام كردي…
وفي مصر، ما زال مواطنون مصريون يدينون بالولاء للرئيس الأسبق المتنحي حسني مبارك، سرا وعلانية، إلى حد أن مجموعة منهم أطلقت ـ منذ سنوات ـ صفحة افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي حملت اسم “أنا آسف يا ريس”، وقد احتفلت المجموعة منذ حوالي أسبوع بذكرى ميلاده الحادية والتسعين.
والشيء نفسه ينطبق على طائفة من الليبيين ومن غير الليبيين ممن يأسفون على مرحلة العقيد معمر القذافي، ويتمنون لو بقي حاكما إلى اليوم، مرددين شعار: نعم للاستبداد الذي يوفر الأمن، لا للديمقراطية التي قد تؤدي إلى الاقتتال!

عادل إمام بين الحضور والغياب!

أما في مصر، فإن الزعيم النجم عادل إمام يعدّ موضوع الساعة، فكما يشغل الناس بحضوره في الأعمال السينمائية والتلفزيونية والمسرحية، ويشغلهم كذلك بمواقفه السياسية المتماهية مع السلطة، يشغلهم حاليا بغيابه عن الدراما التلفزيونية الرمضانية التي تربّع على عرشها، لسنين طويلة، بدون منازع.
يبدو أن غياب “الزعيم” اختلطت فيه الأوراق السياسية والاقتصادية، وهو ما حاول الإعلاميان المغتربان محمد ناصر ومعتز مطر البحث والاستقصاء فيه، وذلك بعد التوقف المفاجئ لتصوير المسلسل الذي كان يلعب فيه عادل إمام دور البطولة. ففي برنامج “مصر النهار ده” على قناة “مكملين”، حاول محمد ناصر قراءة ما بين السطور في مقاليْ رأي، الأول لطارق الشناوي بعنوان “لأنه عادل إمام”، لكنه لم يقل مَن الذي منع عادل إمام من الظهور على شاشة التلفزيون المصري، والثاني لسليمان جودة بعنوان “عقاب عادل”، حيث ورد أن المسلسل كان من إنتاج شركة يملكها ابن عادل إمام، وسرد محمد ناصر التساؤلات التي طرحها كاتب العمود، ومن أهمها: هل حاول “الزعيم” التواصل مع مسؤولين في الدولة المصرية بحثا عن حل ما، فلم يجد بابا يطرقه؟
وهنا استحضر ما وقع للمغني والممثل المصري الشهير الراحل محمد فوزي، حيث صودرت أملاكه ومُنع من ولوج مقر الشركة الفنية التي كان يملكها، وذلك نتيجة غضب رجال جمال عبد الناصر منه، بعدما كان مقربا من الرئيس الراحل.
اكتفى محمد ناصر بالتلميح وبالمقارنة بين الأحداث، في حين كان معتز مطر صريحا وواضحا حيث كشف في برنامجه على قناة “الشرق” عن النقطة التي أفاضت الكأس في علاقة عادل إمام بالماسكين بزمام السلطة حاليا في أرض الكنانة؛ إنها تتمثل في وصفه للجان رقابة الأعمال الدرامية بـ”اللجان الفاشية”، جاء ذلك في تسجيل صوتي معه بُث على إحدى القنوات التلفزيونية، حيث أعلن رفضه وضع ضوابط صارمة للمسلسلات والأفلام ومراقبتها، من حيث نوعية اللقطات والمشاهد وطبيعة الموضوعات… وللإشارة، فقد أُحدِثتْ لجان أُنيط بها “كود” أخلاقيات ومعايير مهنية، على الأعمال الدرامية الالتزام بها. ويشترط “الكود” أيضا طبيعة الموضوعات التي ينبغي التطرق فيها في تلك الأعمال، وفي مقدمتها: تمجيد الجيش والشرطة والوطن وتشويه سمعة “الإخوان”.
لذلك، مُنع عادل إمام من الظهور التلفزيوني، ليس لأنه ثوري، ولكن ليكون عبرة للآخرين… في وقت تحتكر فيه شركة واحدة تابعة للمخابرات المصرية إنتاج كل المسلسلات. كما مُنع أي حديث عنه في وسائل الإعلام المصرية، وشمل الحظر نشر أخباره ونقل تصريحاته، بحسب ما ذكر معتز مطر !
وهكذا، يتضح أن نظام السيسي لم يكفه مصادرة الحريات وقمع المعارضين، بل صار يتحكم في المسلسلات التلفزيونية، على مستوى الخطاب والمضمون، وعلى مستوى الإنتاج والعائد الاقتصادي. كما أنه، من جهة أخرى، لا يريد “نجما” آخر غيره في البلد، فهو النجم الأوحد الذي لا يزاحمه أحد في نجوميته، وليذهب “الزعيم” عادل إمام إلى الجحيم!
الطاهر الطويل

ذات صلة