قناة بن جدو وتبييض صحائف الروس!

لا شغل لقناة «الميادين» هذه الأيام غير تركيا، برامج وأخبار وتقارير وتعليقات كلها تجعل من هذا البلد هدفا للقصف الإعلامي الغريب والمبالغ فيه، فمرة تتحدث عن طموحات توسعية لتركيا، وطورا تشير إلى نزعة عثمانية لديها استنادا إلى تصريح شارد، ومرة ثالثة تتهمها بدعم الجماعات الإرهابية والتستر عليها.
والأرجح أن الأمر راجع إلى تأثر القناة التي تتخذ من بيروت مقرا لها بصراع موازين القوى في الشرق الأوسط وصلة ذلك بالقوى العالمية، خاصة وأنه لا يخفى على أحد التوجه الشيعي للقناة المذكورة بحكم قربها من «حزب الله» ومن إيران. ومن ثم، يبدو كما لو أنها تخوض حربا بالوكالة نظرا للانتماء المذهبي. وحيث إن الورقة التركية أصبحت أساسية في السياسة العالمية والاستراتيجيات الدولية، فالظاهر أن هذا الأمر يسبب «إزعاجا» لتوجه قناة «الميادين» ولخطابها العام؛ خاصة بالنظر لعدم استطاعتها أن تثبت تميزها وحرفيتها، وأن تكون بصمتها الخاصة، وأن تدخل في منافسة مع قناة «الجزيرة» التي تؤكد باستمرار ريادتها في الفضاء الإعلامي العربي. وللمصادفة أن مؤسس القناة هو خريج «مدرسة الجزيرة»، يتعلق الأمر بالإعلامي غسان بنجدو، الذي يبدو أنه نسي ما تعلمه منها حول «الرأي والرأي الآخر» والموضوعية في حدودها الدنيا على الأقل، فغلب التزامه المذهبي على واجبه المهني، وبذلك ضاعت الحقيقة في «الميادين»، وأخلفت القناة موعدها مع المشاهدين.
والأدهى والأمرّ، أن قناة بن جدو شرعت في «تبييض» صحيفة القوات الروسية المتواجدة في سوريا، من أجل مؤازرة نظام الأسد، وآخر تقليعة لها بث تقارير تبرز «المساعدات الإنسانية» التي تقدمها قوات بوتين هناك للسوريين في أماكن الاحتكاك، وهي تشمل التغذية والألبسة والأغطية ولوازم الأطفال من أجل الدراسة… وغيرها. القوات الروسية بهذا الصنيع ينطبق عليها قول المغاربة «كتبخ ويداوي»، إنها توجه أسلحتها للمدنيين العزل، جوا وبرا، وتدمر مدنهم وقراهم وتخلف ما بين قتلى وجرحى، وفي الوقت نفسه تأتي لتقدم لهم المساعدات الإنسانية. نِعم القلب الرحيم!

مرثية بريطانيا العظمى!

انخرط الكثير من الإعلاميين والسياسيين العرب المقيمين في بريطانيا هذه الأيام، في ما يشبه رثاء هذه الدولة العظمى، جراء تداعيات ما يعرف باتفاق «بريكست» والمتعلق بإشكال خروج لندن من الاتحاد الأوربي.
المثير أن أولئك العرب المتحدثين في العديد من القنوات الفضائية لم يتركوا مذمة إلا وألصقوها ببريطانيا عامة وبرئيسة وزرائها تريزا ماي خاصة، فصارت معه الدولة والوزيرة محط سخرية وانتقاد. وهم أحرار في ذلك، لأن الجنسية التي يحملونها تخول لهم الحقوق كافة ومن ضمنها حرية الرأي والتعبير، ولا فرق في ذلك بينهم وبين أبناء البلد «الأصليين»، خلافا لمعظم الدول العربية التي تقيم هوة سحيقة بين «المواطن» و»المقيم».
المسألة التي تثير المفارقة أكثر، أن المتحدثين العرب في الفضائيات لن يجرؤوا على أن يتفوهوا بربع كلامهم عن بلدانهم الأصلية خلال وجودهم فيها، أو ربما حتى خارجها. لماذا، لأن عقلية الحكام العرب لا تقبل النقد والسخرية واللمز والهمز، فأقوالهم وأفعالهم منزهة عن كل نقيصة، كما يتخيلون، وحكوماتهم موسومة بالرشاد، فلا يأتيها الباطل من أمامها ولا من خلفها، وحرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان مجرد شعارات تلوكها الألسن وتروجها الخطابات والمنظمات الرسمية.
لا عجب أن يكون الكلام محرّما في بلدان تحجب المواقع الإلكترونية، وتشوش على القنوات الفضائية، وتودع الإعلاميين والدعاة والنشطاء الحقوقيين غياهب السجون… حين يخرجون عن «الإجماع» ويتجاوزون «الخطوط الحمراء».

«فزاعة» السيسي وعرقه!

على مدار الساعة، تحرص قناة «الجزيرة» على أن تضمّن شريطها الإخباري تذكيرا بوضعية صحافيّها محمود حسين، المعتقل في سجون عبد الفتاح السيسي، دون محاكمة.
ولا تملّ القناة القطرية من مطالبة السلطات المصرية بالإفراج عن الزميل محمود حسين، محملة إياها المسؤولية الكاملة عن سلامته الجسدية والنفسية، علما بأنه مسجون في زنزانة انفرادية لشهور، حيث يعاني من ظروف غير إنسانية، تفاقمت بمنع زيارته وحرمانه من العلاج الطبي.
ولكن، مَن يقنع «الجزيرة» بأنها تحاول عبثا؟ أمام الأذن الفولاذية الصماء التي يمتلكها السيسي، صاحب السجل الشهير في قمع المعارضين وإخراس أصواتهم، بعدما اهتدى إلى «فزاعة» يخيف بها الجميع، وهي تهمة الانتماء إلى «الإخوان» التي يلصقها بكل من لا يخضع لهواه.
غير أن تلك التهمة لم تصمد أمام المعطيات الصادمة حول انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، والتي واجهه بها سكوت بيلي، صحافي «سي بي س»، فجعلت السيسي يرتبك ويتصبب عرقا، ويندم على اليوم الذي وافق فيه على إجراء حوار مع القناة الأمريكية. ربما لكونه كان يعتقد أن الحوار لن يخرج في مضمونه وطريقة إجرائه على النهج المعمول به في القنوات المصرية الحكومية والخاصة، التي لا تنخرط آناء الليل وأطراف النهار على تمجيد الرئيس المفدى، هدية السماء للمصريين!
العرق الذي تصبب من جبين السيسي في مقابلة «سي بي س» درس بليغ لكل الطغاة!
الطاهر الطويل

ذات صلة