انخرط الإعلام المصري، كعادته، في زفّة تطبيل وتمجيد للزيارة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي، منذ بضعة أيام، إلى باريس ومنها إلى طوكيو، حيث شارك أولا في قمة الدول الصناعية السبع الكبرى، ثم في قمة “تيكاد7” التي خصصت لموضوع “النهوض بإفريقيا عبر الشعوب والتكنولوجيا والابتكار”. وإذا كان الإعلاميون المنبطحون اعتبروا الزيارتين المذكورتين دليلا على التطور الاقتصادي الذي تشهده بلادهم في عهد الرئيس المُفدّى، فإن بعض القنوات المعارضة المبثوثة انطلاقا من الخارج توقفت عند بعض المواقف الطريفة والمُحرجة التي تنضاف إلى سجلّ عبد الفتاح السيسي.
يعلّمنا التاريخ أن الحاكِم الذي لا يرى وجهه الحقيقيّ في المرآة ولا يريد أن يسمع سوى ما يُرضيه، يواصل ارتكاب الأخطاء نفسها التي تجعله عُرضة لسخرية الساخرين وشماتة الشامتين. والساخر والشامت قد يكون الصديق قبل العدو. وفعلا، فها هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يسخر من صديقه عبد الفتاح السيسي، ويلقّنه قواعد الحديث أمام الكبار، ويقول له: “أرجو أن يكون حديثك مباشرا، تكلّم بكل حرية وراحة، فنحن في اجتماع أصدقاء”. انسابت هذه الوصايا أو الدروس الأقرب إلى التعليمات خلال استقبال ماكرون للسيسي، في قمة مجموعة السبع بباريس، ونقلتها عدة قنوات عالمية، وبدا الرئيس المصري كالتلميذ المتوجس من توبيخ أستاذه. ولعله كان يستحضر آنئذ واقعة العرق الذي تصبب من جبينه خلال حديثه التلفزيوني مع إحدى القنوات الأمريكية العام الماضي.
الوضعية نفسها تكررت أثناء الجلسة التي جمعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع عبد الفتاح السيسي، لكن هذه المرة بدا الداهية الأمريكي كمن يرمي الورد في وجه جليسه، من خلال كلمات معسولة. وهو أمر مُستغرَب، إذا استحضرنا تصريحات سابقة مغايرة لترامب تجاه الشخص نفسه. الظاهر أن سبب المجاملة الزائدة يرجع إلى الدور الذي يلعبه السيسي في ما يُسمّى “صفقة القرن”، ورغبة واشنطن في أن يساهم الرئيس المصري في الحد من الخطر القادم من الحدود الشرقية لمصر، أي من الأراضي الفلسطينية المحتلة. والسيسي يدرك أن “الطريق إلى واشنطن يمرّ عبر تل أبيب”، مثلما قال محلل “إسرائيلي” في إحدى قنوات العدو الصهيوني. ومن ثم، يجب أن يكون لمصر تأثير وضغط على الفلسطينيين.
عليك نور… يا نورين!
الواقع أن تطبيع النظام المصري مع الكيان الصهيوني متواصل ومتسارع، ويُراد لهذا التطبيع أن يكون شعبيا في مختلف الأوساط الاجتماعية والثقافية والفنية والرياضية… لكن، والحق يقال، فإن جبهة الصمود ضد التطبيع مترسخة عمومًا لدى المواطن المصري والفنان المصري والرياضي المصري، وكثيرا ما جرى التعبير عنها من خلال المواقف والتصريحات والأعمال الفنية وغيرها. صحيح أن هناك حالات نشاز شاذة، ولا يمكن بالتالي تعميمها. ومن المطبّعين الذين فضحتهم قناة “الشرق” المعارضة، واعتبرتها صفحة أخرى من صفحات العار في سجلّ الرياضة المصرية: المصارع محمد عبد العال الذي لحقه عار المصارع إسلام الشهابي. محمد عبد العال وصل إلى نصف نهاية بطولة العالم للجودو المقامة في طوكيو، كان منافسه لاعب من الكيان الصهيوني. كان من الواجب أن ينسحب البطل المصري، لكن “ده كان زمان” بتعبير الإعلامي معتز مطر، فنظام عميل للصهاينة لن يقبل أن يُزايد عليه لاعب في مشهد بطولة. ومن ثم، دخل عبد العال المواجهة ضد اللاعب “الإسرائيلي”، فكانت الهزيمة النكراء من نصيبه، مثلما خسر مواطنه الشهابي اللقاء منذ ثلاث سنين أمام لاعب من جيش الاحتلال. وفي مقابل المظهر المخزي للمصري عبد العال، سجل المصارع الجزائري فتحي نورين موقفا مشرفا في البطولة المذكورة، حيث انسحب من مواجهة لاعب من الكيان الصهيوني. ومن هنا، فإذا كان يُقال: إن الرياضة أخلاق، فنقول كذلك: إنها مواقف أيضا. عليك نور… يا نورين!
“حدوتة مصرية” في اليابان!
نرجع إلى عبد الفتاح السيسي ومقامه في طوكيو خلال المؤتمر العالمي حول إفريقيا، حيث سجل سقطة أخرى من سقطاته في لباقة الحديث، إذ توجه لرئيس الوزراء الياباني بالسؤال التالي باللغة الإنجليزية: “كيف حال اليابان؟”؛ ما استحق من الإعلامي المصري في قناة “مكملين” محمد ناصر حصة من السخرية. قال صاحب برنامج “مصر النهار ده”: لو كنتُ مكان المسؤول الياباني لاعتبرت هذا تحرشا. ما معنى: كيف حال اليابان؟ هل تنتظر منه أن يحدثك عن السبعة آلاف جزيرة في اليابان مثلا؟ ماذا لو بذلت مجهودا وحفظت ترجمة لتلك الكلمة إلى اليابانية، ولو من موقع “غوغل”، ورددتها أمام الوزير الياباني، ألن يكون ذلك طريفا ومقبولا لديه، حتى ولو أخطأت فيها؟ افعل مثلما فعل فؤاد المهندس في أحد الأفلام السينمائية، حيث حفظ جملة باللغة الهندية وظلّ يرددها.
بعيدًا عن هذا الموقف الساخر، فإن ثمة واقعة ارتبطت بمقام السيسي في الأراضي اليابانية تستحق أن تُروى، لكونها سقطة جديدة من سقطات الإعلام المصري في عهد الرئيس المفدى: ذهب الإعلامي أحمد موسى ضمن موكب “الزفة”، ليقدم لمشاهدي برنامجه البئيس درره الغالية عن زيارة الرئيس. وفي إحدى الحلقات أراد أن يتحدث عن وضعية الاقتصاد الياباني ومستوى المعيشة في البلد مقارنة مع ما هو موجود في مصر، فزعم أن سعر البنزين في اليابان هو الأغلى في العالم حيث يبلغ 15 دولار للتر الواحد. وجاء الرد سريعا عليه من طرف موقع إلكتروني ياباني رسمي، وصف ذلك الكلام بـ”الخرافة”، حيث أوضح أن متوسط سعر لتر البنزين العادي في اليابان هو 138 ين أي أقل من دولار ونصف. كما خصه الإعلامي محمد ناصر بثماني جلدات لمدة ثماني دقائق. ولم يرغب الرجل في أن يزيد، حتى يترك للمسكين المجال لبقية الحديث. وفعلا، عاد أحمد موسى ذليلا مرتبكا منكسرا، ليبرر غلطته تلك، مقدّما عذرا أكبر من الزلة نفسها، فقد ظهر منذ ثلاثة أيام على شاشة قناته التطبيلية، وهو يحاول إيجاد الأعذار للمعلومة الخاطئة التي قدمها عن اقتصاد دولة تعدّ من الدول العظمى. قال إنه استقى تلك المعلومة من مواطن مصري مقيم في طوكيو منذ سنوات عديدة. وحتى إذا صدقنا هذا المبرر، فهل يُعقل أن يتوجه إعلامي يعتبر نفسه ممن لا يشق لهم غبار، للبحث عن المعلومة لدى مواطن مصري مقيم هناك، ثم يلقي بها في وجه المشاهدين، دون التأكد منها؟ ولماذا لا يبحث عنها لدى أصحابها المعنيين في الإدارة مباشرة؟ وحتى إذا كان من الكسالى، كان عليه ـ على الأقل ـ أن يتوجه إلى أقرب محطة بنزين، وهناك يجد الخبر اليقين. لكن الإعلامي أحمد موسى أخذته العزة بالإثم، فلم يعتذر للإمبراطورية اليابانية عن سقطته تلك، والتي تعبّر عن درجة دنيا من الضحالة الإعلامية، بل قدّم الاستدراك وكأنه يلقي اللوم على من مدّه بالمعلومة الخاطئة، دون أن يلقيه على نفسه، ويعترف بجريرته. كما أنه ركز كلامه على من انتقدوا سقطته تلك، وكأنه لم يرتكب خطأ مهنيا فظيعا.
أحمد موسى وهو في اليابان، لم يكن يهمه لا نشاط رئيسه السيسي ولا مقارنة الاقتصاد الياباني بنظيره المصري (مع أنه يعرف في قرارة نفسه أنه لا وجه للمقارنة هنا)، ولكن كان يسأل عن أشياء أخرى. قال في توضيحه التلفزيوني: إنه عندما كان في السيارة رفقة زميليه كان يهمه معرفة أسعار السيارات، وسعر كيلو “لحمة”… ومن ثم، فـ”كلٌّ لما هاجر إليه” كما ورد في الأثر الصحيح!
الطاهر الطويل