حسن يوسفي: أهمية الممارسة المسرحية لدى الطلبة الجامعيين

الدكتور حسن يوسفي باحث وناقد مواكب للحركة المسرحية المغربية والعربية منذ سنوات عديدة. أصدر مجموعة كتب تعتبر مراجع أساسية للباحثين والمهتمين، من بينها على سبيل المثال لا الحصر: قراءة النص المسرحي/دراسة في «شهرزاد» لتوفيق الحكيم، المسرح و مفارقاته، المسرح في المرايا، التمسرح.. من الاستعارة إلى الخطاب، المسرح والفرجات، الفرجة بين المسرح والأنثروبولوجيا، الكتابة النقدية عند حسن المنيعي… وغيرها.
يعمل حاليا منسق ماستر «التعليم الفني والتربية الجمالية» ويشرف على «محترف الفنون» بالمدرسة العليا للأساتذة بمدينة مكناس، وهو المحترف الذي أنجز مؤخرا عرضا مسرحيا بعنوان «فيروس»، نال الجائزة الكبرى في مهرجانيْ المسرح الجامعي بكل من أغادير وفاس. عن هذه التجربة يتحدث حسن يوسفي لـ»القدس العربي» قائلا:

ـ تجربة مسرحية «فيروس» هي خلاصة عمل داخل ورشة مسرحية تابعة لـ»محترف الفنون» بالمدرسة العليا للأساتذة بدينة مكناس مع مجموعة من طلبتي في الماستر المتخصص «التعليم الفني والتربية الجمالية» الذي أشرف عليه. في البداية، اقترحت على الطلبة مجموعة من النصوص المسرحية العربية قصد اختيار واحد منها للاشتغال عليه، فكان الإجماع على نص «الأيام المخمورة» للمرحوم سعد الله ونوس الذي أثار الطلبة بعوالمه التخييلية وشخوصه المثيرة وصنعته الدرامية القائمة على محكي مركب.
أول ما بدأنا به هو الاشتغال الدراماتورجي على المسرحية، قصد استخلاص نص قابل للمسرحة وفق رؤية إخراجية تم التوافق حولها، بعدما اقترحها مخرج المسرحية الطالب أمين غوادة. فكانت النتيجة نصا جديدا كُتب بالدارجة المغربية، اخترنا له عنوانا دالا هو «فيروس»، بالنظر إلى كونه يحيل على الخراب الذي تسرب إلى العائلة في المسرحية، بسبب تمرد الأم وسقوطها في عشق عصف بكل العلاقات داخل الأسرة.
بالنسبة إلي ـ يضيف حسن يوسفي ـ كانت هذه التجربة خصبة وغنية بكل المقاييس، ذلك أني بعد أكثر من عقدين من الزمن من الاشتغال في مجال النقد والبحث المسرحيين، انخرطت في تجربة إبداعية مسرحية قربتني أكثر من متاعب «أب الفنون»، وجعلتني أنخرط وجدانيا وفكريا في متعة بناء فرجة مسرحية من البذرة الأولى حتى تقديم العرض أمام الجمهور.
ولعل ما أضفى على هذه التجربة ميسما متميزا هو فريق الطلبة الذين اشتغلت معهم، فريق تميز بالالتزام والانخراط في العمل بكيفية احترافية، لاسيما وأن بعضهم من خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي الذين يمارسون المسرح في إطار الاحتراف، سواء في مجال التشخيص أو الإخراج أو السينوغرافيا.
لقد لمست عن كثب دلالة وقيمة أن يعايش باحث أو ناقد مسرحي تجربة مسرحية من الداخل، وأن يقف على كيفية تخلّق الفرجة المسرحية وطرق بناء عوالمها وجزئياتها التقنية المختلفة. ولعل الروح الجماعية التي سادت أجواء العمل قد جعلتني أكتشف متعة أخرى، ضاعفت عشقي لفن المسرح، لأنها جعلتني أقف على حقيقة الروح الإنسانية العميقة التي تلازم هذا الفن من خلال التواصل المباشر والتلقائي بين أعضاء المحترف.

ـ كيف وجدت تعامل الطلبة الباحثين مع هذا العمل؟
ـ إن وجود نسبة من الطلبة المحترفين للمسرح داخل المجموعة أضفى بعدا مهنيا قويا على العمل، وجعله يُبنى على مراحل محكمة ومنظمة بعناية، وهذا جانب تعلمت منه الكثير شخصيا. ثم إن ذلك ساهم في خلق انسجام قوي بين هؤلاء، وبين المجموعة التي تتكون من طلبة قادمين من محترفات جامعية ومارسوا المسرح في إطار الهواية. فالكل آمن بالتجربة وعمل بانضباط وعشق كبيرين للعمل ، فكانت النتيجة أن حصلت مسرحية «فيروس» على الجائزة الكبرى لمهرجانين دوليين للمسرح الجامعي بالمغرب، هما مهرجان أغادير في دورته التاسعة عشرة ومهرجان فاس في دورته التاسعة، ونافست عروضا من أوروبا ومن إفريقيا ومن العالم العربي.

ـ وما هي الأصداء التي تركها هذا العمل لدى الجمهور والمهتمين؟
ـ لقد لقي هذا العمل تجاوبا كبيرا في الأوساط الجامعية بين الطلبة والباحثين الذين اكتشفوا فيه نوعا من عودة الروح لتجربة المسرح الجامعي بالمغرب. ولعل هذا ما جعل بعض الجهات تحرص على استضافة العرض ضمن فعالياتها، من ذلك مشاركته خارج المسابقة في المهرجان الوطني للمسرح بمكناس، وكذا برمجته ضمن فعاليات «مهرجان طنجة للفنون المشهدية « الذي كان مناسبة ذهبية للطلبة لعرض هذه التجربة أمام أعلام كبار من عالم البحث المسرحي، الذين حلّوا ضيوفا على ندوة «الدراماتورجيا البديلة» التي نظمها المركز الدولي لدراسات الفرجة بطنجة، وفي طليعتهم الباحث المسرحي المرموق صاحب «المعجم المسرحي» الشهير باتريس بافيس الذي نوه بمسرحية «فيروس»، وكان للطلبة لقاء مفتوح معه لمناقشة العرض وقضايا مسرحية أخرى.

ـ إلى أي مدى ساهمت تجربتك النقدية في إثراء هذا العمل المسرحي؟
ـ مما لاشك فيه أني انخرطت في هذه التجربة المتواضعة بعد سنوات من الاشتغال النقدي في المسرح، وبعد متابعة للعديد من التجارب المسرحية مغربيا عربيا ودوليا . فطبيعي جدا أن أحرص على أن يجسد هذا العمل جانبا من تطلعاتي الفرجوية وكذا من حساسيتي الفنية وميولي الجمالية والفكرية. إن اختيار سعد الله ونوس في حد ذاته يترجم ميولي بخصوص طبيعة الكتابة المسرحية التي أتفاعل مع عوالمها وجدانيا وفكريا، أي الكتابة التي تخترق التابوهات، وتخلق العوالم الصادمة، وتقول ما ينبغي أن يقال، لكن بطريقة إبداعية منقطعة النظير. ومن جهة أخرى، فأنا كنت حريصا على أن نقدم فرجة جامعية، فيها بحث واضح في الجماليات المسرحية، وفيها اختيارات مضبوطة تخلق فرجة لا ضجر فيها، ومستفزة للحواس والروح.

ـ وكيف ترى واقع المسرح الجامعي بالمغرب؟
ـ ينبغي أن نكون صرحاء في هذا الباب، لنقول إن تجربة المسرح الجامعي بالمغرب حققت تراكما مهما خلال أكثر من عقدين من الزمن من خلال المهرجانات وأعمال المحترفات في مختلف الجامعات والمعاهد. لكن، في الوقت الذي بدأنا نطمح لكي تنتقل التجربة نحو أفق أنضج وأقوى إبداعيا وفكريا، انحرف المسار بالنسبة للبعض، فأصبحت الحسابات الذاتية الصغيرة تشوّه المسار الذي انطلق، حيث البعض يراهن على تجارب جامعية دولية أو عربية فقط من أجل ترتيب علاقات وامتيازات شخصية، فلا يعقل مثلا أن تجد في مهرجان مسرحي جامعي مشاركة مغربية محدودة، والباقي كله من دول ما يزال المسرح فيها يتلمس طرقه بصعوبة، وحضورها إلى المغرب لا يشكل أية إضافة نوعية لمسار المسرح الجامعي عندنا. فطلبتنا أحوج إلى الاطلاع على تجارب قوية دوليا للاستفادة منها ومنافستها.
والجامعة المغربية، اليوم، مطالبة بأن تؤمن بشكل أعمق بأهمية الممارسة المسرحية لدى الطلبة ودورها في التحديث والتنوير والانفتاح على العالم، وأن تعمل على مَأْسَسَة المسرح الجامعي، وتحويله إلى عنصر مندمج داخل بنيات التكوين والتنشيط.
الطاهر الطويل ـ صحيفة القدس العربي (7 أغسطس 2014)

ذات صلة