تلفزيون دون وزراء…!

تلفزيون دون وزراء… و«فرانس 24» في مرمى سهام الجزائر!

أخيرًا، ارتاح المغاربة من تلك الوجوه التي تفرض نفسها عليهم كل مساء في نشرات الأخبار التلفزيونية.
لمدة ثلاثة أشهر، ستختفي التدشينات الوزارية التي لا تنتهي، ويرتاح المُشاهد من لغة الخشب المنبعثة من أفواه الوزراء، والمليئة بالوعود والتسويفات والأحلام الوردية.
والسبب أن الأوامر الملكية نزلت من أجل يتفرغ أعضاء الحكومة لمهامهم الاعتيادية، وفي الوقت نفسه يستعد كل واحد منهم للنزال الانتخابي، دون أن يستغل التلفزيون والنشاط الوزاري للدعاية لنفسه ولحزبه، ويحوّل «الإنجاز» الحكومي (هذا إذا كان هناك إنجاز فعلا) إلى انتصار شخصي وحزبي.
لعلّ المغاربة يحيون هذه السنة، صيفًا جميلاً، دون منغّصات، والمنغّصات هنا وزراء ينفخون أوداجهم حتى تكاد ربطات العنق تطير من على أجسامهم، وهم يتحدثون إلى كاميرا التلفزيون… لدرجة أن أخبار «كورونا» صارت أهون على النفس من سماع كلام أولئك السياسيين!
والغريب في الأمر أن بعضهم أمسى لصيقًا بالنشرات الإخبارية، ويتكرر ظهوره يوميا، كما لو أنه فقرة إعلانية مؤدى عنها، لكنها فارغة الشكل والمحتوى!
قيل إن أحزاب المعارضة البرلمانية اشتكت إلى المراجع العليا، وطالبت بالعدل والإنصاف والتوازن وتكافؤ الفرص بين الفرقاء السياسيين في تعامل التلفزيون معهم، لأن الزمن هو زمن انتخابي بامتياز، في أفق تنظيم الاستحقاقات البرلمانية والبلدية أيلول/ سبتمبر المقبل. ومعظم الوزراء هم منافسون لباقي السياسيين، فلا يُعقل أن يُدرج وزيرٌ ما عملَه الحكومي الذي يتقاضى عليه مالاً وفيرًا من ميزانية الدولة ضمن نشاطه الحزبي، ويستدعي التلفزيون ليصوّره، مستغلاًّ في ذلك قناة عمومية موجَّهة للجميع، ويفترض أن يكون الولوج إليها مُتاحا لكل «اللاعبين» السياسيين.
ماذا تبقى لمحتكري التلفزيون من الوزراء؟ أمامهم بعض المواقع الإلكترونية التي تلهج بأسمائهم وسيرهم آناء الليل وأطراف النهار، وتنصّب نفسها «نكافة» (أي مزينة عرائس ومادحة لهن) ومحاميا يدافع عنهم مقابل كل هجوم كلامي محتمل.
في حين تمارس مواقع أخرى عملها بكامل الاحترافية، مستبعدة أيّ تأثير لسلطة المال أو غيرها على خطها التحريري.

مغاربة الشرق ومغاربة الغرب!

«الحلم أصبح حقيقة، معانقة أرض الوطن، والارتماء في حضن الأهل والأحباب بعد طول غياب.» هكذا لخّصت إعلاميّةُ القناة الأولى المغربية لحظةَ وصول أول طائرة إلى مطار محمد الخامس الدولي في الدار البيضاء، الثلاثاء الماضي، بعد استئناف الرحلات الجوية والبحرية بين المغرب وباقي بلدان العالم.
كانت المشاهد مؤثرة، إذ رصدت مشاعر الجالية المغربية المقيمة خارج البلد وهي تتمكن من العودة بعد تسهيل إجراءات السفر وإعطاء التعليمات للخطوط الملكية المغربية بخفض أثمان التذاكر.
وبقدر ما كانت الفرحة عارمة لدى الوافدين من أوربا، كانت الصدمة قوية لدى القادمين من بلدان الخليج، لأنهم محرومون من لقاء أهلهم، بسبب إلزامية خضوعهم للحجر الصحي، وهكذا سيعيشون عزلة قسرية طيلة عشرة أيام بالتمام والكمال. وبالتالي، لن ينعموا بدفء عائلاتهم، ولن يتنسّموا عبق الوطن إلا بعد انقضاء تلك المدة. فماذا سيتبقّى لهم من أيام العطلة؟
ذنبهم الوحيد أنهم أتوا من بلدان مصنّفة ضمن خانة «ب» التي يُفرض عليهم التشديد نتيجة وباء «كورونا». والحال أنّ بلدانًا مثل قطر والإمارات كانت سبّاقة إلى تطعيم مواطنيها والمقيمين فيها، وحققت نتائج متقدمة جدا في المعركة ضد الوباء اللعين، سواء على مستوى التطعيم أو الفحوص اليومية أو على مستوى الإجراءات الاحترازية.
ومن ثم، أليس هناك مشهد أكثر قسوة أن يرى المغاربة القادمون من بلدان الخليج مواطنيهم الآتين من أوربا يخرجون من بوابات المطار لمعانقة أهلهم، بينما هم محرومون من ذلك، وملزمون بالانعزال في الفندق، حتى يتبين للسلطات الصحية أنهم لا يحملون الفيروس اللعين!

مطلب التغيير في الجزائر!

كلما تقلصت مساحة حرية التعبير، كان الإعلام هو الضحية.
ضاق صدر حكّام الجزائر عن قناة «فرانس 24» فطردوها من أرضهم، وسحبوا اعتماد مراسليها هناك… إنهم يريدون من الصحافة المحلية والمعتمدة أن تقدّم زاوية نظر وحيدة للأحداث، أما حين تحرص على التوازن والمهنية وإتاحة المجال للرأي الآخر لكي يطلع عليه الناس، فهي ـ باعتقادهم ـ غير محايدة ومغرضة وتضرب المصالح الوطنية في الصميم!
بمعنى آخر، يريدها حكام الجزائر أن تتحدث عن إنجازاتهم الكبيرة، وأن تغضّ الطرف عن الحراك الشعبي الذي يرفع مطالب اجتماعية وسياسية، ويدافع عنها في إطار سلمي حضاري، حتى وإن جُوبه بقوة القبضة الأمنية.
لكن، حتى وإن غاب المراسلون من مواقع الحدث في بلد المليون شهيد، فإن القناة نفسها لا تتخلف عن التزامها المهني تجاه المستجدات. ومن ثم، قدّمت «فرانس 24» تغطية للانتخابات التشريعية الأخيرة في الجزائر، وأسهبت في تحليل نتائجها من خلال رؤى خبراء ومختصين، مثلما فعلت منذ يومين حين استضافت، من مدينة بون الألمانية، الإعلامي التونسي منصف السليمي، الخبير في القضايا المغاربية، الذي أعاد التذكير بأن تلك الاستحقاقات لم يشارك فيها سوى أقل من ربع الناخبين، لأن نسبة كبيرة من الجزائريين لم يصوتوا، وبالتالي هناك ـ في رأيه ـ سؤال كبير حول وجود التجربة الديمقراطية الجزائرية نفسها، وليس فقط الطابع الوجودي لـ»جبهة التحرير الوطني» التي تعتبر أقدم حزب سياسي في البلاد، وتشارك في الحكم مع المؤسسة العسكرية منذ الاستقلال. فمنذ أكثر من ستين سنة، ما زال المشهد السياسي الرسمي يراوح مكانه ولم يحدث فيه أي تغيير، رغم الإرهاصات التي سبقت الانتخابات والمتمثلة في الحراك الشعبي الذي دام سنتين، ورغم أن تبون بشّر بجزائر جديدة.
ويرى الإعلامي منصف السليمي أنه ليس هناك في الأفق ما يدل على وجود ملامح لهذه الجزائر «بالعكس أعيد تأهيل نفس التركيبة الحزبية التي كانت في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة».
وفي اعتقاده، فإن الجزائر أمام أفق صعب بمؤسسات حكم ذات شرعية ضعيفة جدا، وبمؤسسة عسكرية ما زالت لم تبتعد عن لعب الدور السياسي المباشر. وإذا كانت بعض التحليلات تكهنت بتراجع الحراك الشعبي، فإن ضعف شرعية الانتخابات الأخيرة قد تعطيه نفَسًا جديدًا، وتؤكد على وجاهة المطالب المرفوعة المتجلية في إحداث تغيير ديمقراطي حقيقي، مثلما يوضح الإعلامي المذكور.
مثل هذا الخطاب لا يروق لحكام الجزائر الذين يعتبرون كل منبر إعلامي يمارس أداءه الإخباري والتحليلي بموضوعية وتوزان متحاملا عليهم وعلى بلدهم، فلا عجب أن كتبت صحيفة «الشروق» أن قرار سحب الاعتماد من ممثلي «فرانس 24» جاء بعد التحامل المتكرر من قبل هذه القناة على الجزائر ومؤسساتها الرسمية!

الصحافية والرئيس!

يقول المثل المغربي «الفقيه اللي نتسناو براكتو دخل الجامع ببلغتو» (الفقيه الذي ننتظر بركته دخل إلى المسجد دون أن يزيل نعله) وهو مثل ينطبق على الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن الذي كان يحاول إيهام العالم بكونه منفتحا وديمقراطيا، لكنه أقدم منذ يومين على تصرف جعل الكثيرين يعيدون تقييمه.
سألته صحافية من «سي إن إن» عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فأجابها: «إذا لم تفهمي ذلك، فإنك ارتكبت خطأ في اختيار المهنة!»

ذات صلة