“العالم العربي بقعة كبيرة من التخلف والقمع، ويستحيل أن يكون الإعلام استثناءً”.
رأي عبّر عنه إعلاميُّ “الجزيرة” الكبير، محمد العلمي، أمس، في تدوينة على “فيسبوك”، وينطبق هذا التوصيف بشكل بارز على النظام المصري الحالي في صنيعه مع الإعلاميين المُعارضين، خاصة المقيمين في تركيا.
لم يكتف نظام السيسي باستغلال التقارب الموجود حاليا بينه وبين أنقرة، للضغط عليها من أجل منع الإعلاميين معتز مطر ومحمد ناصر من الظهور عبر القنوات المصرية المعارضة؛ بل إنه طلب من المسؤولين الأتراك حرمان المعنيين حتى من حق الرأي والتعبير عبر شبكات التواصل الاجتماعي الافتراضية.
إلهذه الدرجة صار نظام بكامله، بأدرعه الإعلامية المتعددة، يخشى صوت صحافيين اثنين يعملان في قناتين تلفزيونيتين تقاومان من أجل الاستمرارية بوسائل تقنية بسيطة، وبعدد محدود من الإعلاميين والفنيين والإداريين؟
أليست كل القنوات المصرية الحكومية والخاصة قادرة على تجميل صورة فرعون مصر الجديد؟ وبالتالي الرد على ما يعتبره هذا الأخير نوعًا من التحامل والافتراء عليه؟
هذه الواقعة الغريبة والمثيرة للسخرية والامتعاض، تعني أمرين اثنين:
أولهما أن النظام المصري فشل في تلميع صورته عبر القنوات التلفزيونية الموالية له، كما فشل في إيجاد حلول عملية لمعاناة المواطنين المصريين “الغلابة” مع العيش والإدارة والصحة والشغل وهلمّ جرا…
وثانيهما أن القنوات المعارضة، استطاعت من خلال نجومها البارزين، أن تستقطب جمهورا واسعا، وأن تُحدث رجّة قوية في نفوس رموز النظام المصري الحالي، حيث صارت مصدر إزعاج وقلق لهم.
الغريب أن أبواق السيسي تجعل كلَّ مَن ينتقد نظامه “إخوانيا”، حتى ولو كان ليبراليا أو حداثيا أو علمانيا أو كاثوليكيا أو ملحدا، كما تحاول تأليب المواطنين عليه، ما دامت تلك الصفة التي تُلصق بالمُنتقدين بمثابة “فزاعة” يقع تخويف الناس بها، فهي تعني تهمًا جاهزة بالتآمر على الدولة ومؤسساتها العسكرية، والنتيجة يشاهدها العالم منذ سنوات.
وحين يطالب النظام المستبد بإخراس صوت إعلاميين، من أمثال معتز مطر ومحمد ناصر، فإنه يمارس أبشع أنواع الديكتاتورية؛ فماذا تبقّى له بعدما طالب بمنعهم من التعبير عن آرائهم حتى عبر وسائط التواصل الاجتماعي؟ هل سوف “يأمر” قادة تركيا بمنعهم من الماء والهواء والتجول في الشوارع؟
صحيح أننا نختلف كثيرًا مع الإعلاميين المذكورين في العديد من مواقفهم وتصريحاتهم، إنْ على مستوى المرجعيات، أو على مستوى تقدير الأمور وطريقة التعبير عنها؛ لكنّ هذا لا ينفي مطلقًا تضامننا المبدئي معهم، من منطلق الإيمان بالقيم الكونية المتمثلة في الحق في التعبير وحرية الاعتقاد وحرية الإعلام… وهي قيم يناصبها الحاكم المستبد العداء، إذ يريد أن يسمع صوتا واحدا ورأيا واحدا ومعزوفة واحدة!
المضحك/ المبكي!
مسخرة أخرى تابعها العالم منذ أيام، من خلال تصوير مثول الداعية المصري محمد حسين يعقوب أمام المحكمة، في ما عُرف إعلاميا بـ”داعش امبابة”.
واضحٌ أن تجنيد ذلك الكمّ الهائل من كاميرات القنوات التلفزيونية وعدسات المصورين هو من أجل ضرب عصفورين بحجر واحد: من جهة ترويعُ الرجل الذي وجد نفسه في مقام الاتهام عوض أن يكون مجرد شاهد، ومن جهة ثانية تسفيهُ خطابه وإبراز تهافته أمام مئات الآلاف من المعجبين به!
وتحقق للنظام العسكري ما أراد: بَدَا الرجل مرتبكا، مضطربا، يعتمد أسلوب “التقية” في أجوبته أمام القاضي، وينتقص من قدر نفسه هو إلى أدنى المستويات. لِمَ لا، والأمثلة أمامه حية، يراها بأم عينيه، وطريقة استدعائه ـ كما روتها مصادر إعلامية ـ كانت حافلة بالإهانة والتحقير.
الماسكون بزمام الحكم هناك أصرّوا على تصوير مشهد الداعية المذكور في المحكمة، وبثّه للمشاهدين كنوع من الفرجة السياسية التي تحمل رسائل “وعيد” لكل صاحب رأي مخالف أو موقف عنيد.
لكنّ المفارقة الصارخة في برّ مصر هو اعتماد أسلوب الكيل بمكيالين، ذلك أن القضاة المأمورين إذا كانوا رخّصوا بدخول الكاميرات خلال تلك النازلة، فإنهم عادةً يمنعون تصوير جلسات المُحاكمات؛ بل إنّ منع التصوير صار قاعدة تُطبَّق في مختلف الفضاءات العامة في “أرض الكنانة”، مثلما يروي زوارها، لدرجة أن استعمال الكاميرا قد يؤدّي بصاحبه إلى السجن!
وصدق حكيم الشعراء العرب، أبو الطيب المتنبي، إذ قال:
“وكم ذا بمصر من المضحكات… لكنه ضحك كالبكا”.
من «البوز» إلى التلفزيون!
الاستعانة بأصحاب قنوات “يوتيوب” صار ظاهرة لافتة للانتباه في الأعمال الدرامية والبرامج التلفزيونية في المغرب. لم تعد المسألة تتعلق بحالة أو حالتين أو ثلاث حالات، وإنما هي قاعدة عامة؛ فما إن تشاهد حلقة ما، حتى يظهر لك وجه جديد، سقط من سماء الافتراضي إلى عالم التلفزيون.
للتوضيح، إننا لسنا ضدّ تشجيع المواهب الفنية والوجوه الجديدة، ولا نعارض مطلقا أن تنفتح البرامج التلفزيونية والمسلسلات الدرامية على الشباب أبطال قنوات “يوتيوب”. ولكن، لا ينبغي ـ في اعتقادنا ـ أن يكون ذلك على حساب الفنانين المحترفين وعلى حساب خريجي المعاهد الفنية التي تدرّب فنانين في مجالات المسرح والموسيقى والغناء. كما أنّ ذلك لا ينبغي أن يقود إلى الاستسهال مع الجودة والإبداع وإلى الابتذال في الأداء والمضمون.
وكما هو معلوم، فإن القواعد الصارمة التي يُحتَكم إليها في عالم التلفزيون وما يرتبط به من إبداعات، عادة ما تكون غائبة في ما يقدم عبر “يوتيوب” الذي يعدّ المقياس الوحيد فيه هو عدد المشاهدات وعلامات الإعجاب وعدد المشتركين. وهذا المقياس تتحكم فيه غالبًا عوامل أخرى غير الجودة والشروط الفنية المضبوطة.
بمعنى أوضح، ليس كلّ شخص ناجح في “يوتيوب” بفقراته الساخرة أو بتعليقاته أو بأغانيه يمكن أن يكون صالحا للمشاركة في التلفزيون. والأمثلة أمامنا بادية: كم من أعمال ظهرت هزيلة ومتواضعة جدا بسبب مشاركة “يوتيوبرز” فيها.
الاعتماد على أصحاب “البوز” BUZZ في الأعمال التلفزيونية يحمل رسالة خطيرة للأجيال الجديدة، مفادها: لا جدوى من التحصيل الدراسي ولا من الالتحاق بالمعاهد المتخصصة، عليكم فقط بإنشاء قنوات على “يوتيوب”، تركزون فيها على الإثارة لجلب المعجبين، وبعدها تكسبون الأموال والشهرة، وتقتحمون بيوت الناس ـ رغم أنفهم ـ عبر القنوات التلفزيونية!