الطاهر الطويل
فاجأ الكاتب المغربي عبد اللطيف اللعبي (المقيم في فرنسا) الرأي العام الثقافي المغربي بإقدامه ـ أواسط عام 2013 ـ على تسليم كامل أرشيفه إلى مؤسسة فرنسية يُطلق عليها ‘معهد ذاكرة النشر المعاصر’.
وتساءل بعض المهتمين عن خلفيات هذه الخطوة، وعمّا إذا كان تحكمها حالة التذمر التي عبّر عنها في كتابه الجديد ‘مغرب آخر’، كما استغربوا لماذا لم يجعل الكاتب اللعبي أرشيفه الخاص رهن إشارة مواطنيه ومثقفي وطلبة بلاده، وهو الذي عُرف بالتزامه ودفاعه عن قيم المواطنة الحقة والديمقراطية وإشاعة المعرفة للجميع.
يشتمل الأرشيف ـ وفق ما ذكر مصدر صحافي ـ على مخطوطات أعمال عبد اللطيف اللعبي كاملةً ومراسلاته، بما في ذلك رسائل السجن إلى زوجته ‘جوسلين’ وإلى أفراد من عائلته وأصدقائه، إضافة إلى مجموع أعماله في طبعاتها المختلفة، سواء في لغتها الأصلية أم مترجمة، إلى العربية أو لغات أخرى عديدة، إضافة إلى ترجماته لكُتّاب عرب إلى الفرنسية، ووثائق أخرى متعددة متصلة بفترة مجلة ‘أنفاس′، بمحاكمة الدار البيضاء عام 1973، بسنوات الاعتقال، أو متعلقة بإبداعات مختلفة مستوحاة من كتاباته، وبالمشاريع الثقافية والسياسية التي أنجزها أو أسهم فيها منذ الثمانينات وإلى اليوم، وتضمّ الوثائق المودعة كذلك كمًّا من الدراسات النقدية حول أعماله، منشورة في كُتب أو مجلات، أو في الصحافة.
أبرز ردود الفعل تجاه خطوة عبد اللطيف اللعبي هذه، جاءت على لسان الدكتور جامع بيضا، مدير مؤسسة ‘الأرشيف الوطني’، حديثة العهد بالتأسيس، فحين سألته مجلة ‘تيل كيل’ عن رأيه في الموضوع، أجاب: ‘لقد كانت خيبة أمل بالنسبة إلي، لأّن المعهد الذي تسلم أرشيف اللعبي ليس بالمعهد المرموق من جهة، وبالنظر إلى وجود مؤسستين في المغرب تستطيعان استلام أرشيفه من جهة أخرى، ممثلتين في ‘أرشيف المغرب’ و’المكتبة الوطنية للمملكة’، على غرار ما فعل إدمون عمران المالح حين أراد تسليم أرشيفه’.
واللافت أن الحدث وتوقيته (كما لاحظ تقرير إخباري أوردته مجلة ‘الدوحة’) يطرحان أكثر من سؤال، خصوصاً بعدما انخرط عبد اللطيف اللعبي السنوات الأخيرة في الكثير من الخطوات والمبادرات المغربية المدنية، لعل أبرزها نداء ‘ميثاق من أجل الثقافة’، إلى جانب الاصطفاف مع العديد من الكتّاب والإعلاميين في جبهة حرية التعبير والفكر، وحضوره العديد من اللقاءات التي انعقدت في المغرب، وكان الشاعر ضيفها، مما أظهر رغبة فعلية من الكاتب والشاعر عبد اللطيف اللعبي في العودة تدريجياً إلى صلب نضالاته الثقافية والحقوقية والسياسية السابقة. مظهر ثانٍ يثير جدلاً يتمثَّل في توقيت اختيار عبد اللطيف اللعبي تسليم الأرشيف الخاص لمؤسسة فرنسية تزامناً مع الانطلاقة الفعلية لمؤسسة ‘أرشيف المغرب’، هذه المؤسسة التي تلعب دوراً حيوياً في الحفاظ على الذاكرة، وهو ما يؤشر على موقف قَبْلي واتفاق مسبق مع مؤسسة فرنسية.
إن أرشيف المغرب ليس ذاكرة شخص بمفرده، خاصة إذا كانت هذه الشخصية من عيار عبد اللطيف اللعبي، وإنما هي ذاكرة جيل بكامله، وذاكرة أمة، ومِلْك للوطن، بغض النظر عن حيثيات الظرفية السياسية. فهل يعقل والحالة هذه، أن تمنح هذه الذاكرة إلى موطن غير الذي يناضل من أجله الكاتب المذكور؟