ملحمة… وموازين!

الطاهر الطويل

حاول الممثل المغربي سعيد الناصري أن يقيم الدنيا ويقعدها، تماشيا مع حالة الحماس العامة السائدة آنذاك، لترشيح المغرب لاستضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم عام 2026، فجمع خليطا من الممثلين والإعلاميين والرياضيين و»نجوم» الطبخ وغيرهم، وطلب منهم أن يظلوا واقفين على صناديق خشبية، لتصورهم الكاميرات وهم يرددون كلمات تفتقر إلى الإبداع، وأطلق على ذلك المنتَج الغريب اسم ملحمة «أبطال». ورغم الهالة التي حاول الناصري إضفاءها على هذه «الملحمة»، عبر وسائط التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، فإنها لم تظفر سوى بتقرير تلفزيوني قصير على القناة الثانية المغربية، خلافا لما حصل مع «ملحمة» أخرى، كان مصعب العنزي (الكويتي ذو الجنسية المغربية) قد أنتجها بمناسبة عيد العرش قبل أربع سنوات، حيث بُثت مرارا وتكرارا على القنوات المغربية، أرضيا وفضائيا، وذلك بحكم صلة صاحبها بإحدى الشخصيات النافذة في البلاد.
هكذا تحولت «ملحمة» الناصري إلى مسخرة لدى الرأي العام المحلي، وربط البعض بينها وبين ما تعنيه هذه الكلمة في التعبير المشرقي، حيث ظهر صاحبها في رسوم كاريكاتورية بائعا للحم؛ علما بأنه لا علاقة لهذه «البدعة» المغربية (وليس الإبداع) أية علاقة بالملاحم كما عُرفت في التراث الأدبي اليوناني (الألياذة والأوديسا) والهندي (المهابهارتا ورامايانا). والواقع أن الكوميدي سعيد الناصري، وقد تحول إلى مخرج بقدرة قادر، ذكّر المغاربة بعهد ودّعوه ونسوه منذ أكثر من عقدين، حينما كانت وزارات الداخلية والإعلام والثقافة تحفّز بعض الفنانين المقربين من السلطة على إنجاز «ملاحم» تمجد السلطان وتتزلف إليه، وهي عبارة عن منتجات «فنية» تمزج بين الغناء والتمثيل، وتقدم خلال المناسبات الوطنية ولاسيما عيد العرش (الجلوس)، وعيد الشباب (عيد ميلاد الملك). وحيث إن تلك «الملاحم» كانت تصادف هوى في نفس العاهل الراحل الحسن الثاني، فإن السلطة كانت تغدق على أصحابها المال الوفير. ومن أشهر «صناع» تلك الأعمال الفنان المسرحي الراحل الطيب الصديقي.
وبما أن الإبداع الجيد يُكتب له الخلود، فقد احتفظ التاريخ بـ»الملاحم» الحقيقية، في حين أن تلك الأعمال المغربية ـ التي أُنجزت على عجل تحت الطلب ـ سرعان ما توارت واندثرت، وكذلك الشأن بالنسبة لـ»ملحمة» سعيد الناصري التي عاشت أقصر عمر في تاريخ الأعمال الفنية العالمية، ولم يعد يذكرها أحد بعد فشل المغرب في الظفر بتنظيم كأس العالم في كرة القدم عام 2026.

الواقع أن ملحمة «أبطال» كانت جزءا من الجعجعة التي سعى المسؤولون بها إلى شغل الرأي العام المغربي عن مشكلاتها اليومية، وبالخصوص عن حملة مقاطعة عدد من المنتجات الاستهلاكية، من خلال توظيف القنوات التلفزيونية لتسويق أوهام بالفرح والحلم بفوز الفريق الكروي المغربي في مباريات كأس العالم في روسيا. وهكذا، اصطبغت كل المنتجات التلفزيونية بصبغة كرة القدم وبالمنتخب القومي، من برامج وفقرات إعلانية ونشرات إخبارية وغيرها.
يضاف إلى ذلك، أن السلطة المغربية أوفدت العديد من الوجوه الإعلامية والفنية ـ المستهلكة باستمرار ـ من أجل «مساندة» الفريق القومي، غاضة الطرف عن الكثير من الرياضيين القدماء الذين صنعوا أمجاد الكرة المغربية في الماضي.
ووجدنا المحظيين بمرافقة الفريق المغربي، على حساب المال العمومي، يقومون بالدعاية لأنفسهم عبر وسائط التوصل الاجتماعي، محاولين إغاظة مَن لم يحظوا بذلك «الشرف». وتحدثت منابر إلكترونية أيضا عن وجود العديد من البرلمانيين المغاربة في روسيا على نفقة الشعب، وإن حاول مجلسا النواب والمستشارين نفي هذا الخبر عبر بلاغ مشترك.
كل هذه الجعجعة كانت بلا نتيجة، إذ حصلت صدمة كبرى بعد توالي الهزيمتين، الأولى أمام المنتخب الإيراني والثانية أمام المنتخب البرتغالي. وطفق المصدومون يعزون أنفسهم بكون المغرب ليس البلد العربي الوحيد المنهزم، بل شاركته المصير نفسه مصر والسعودية، وذلك عملا بالقول المأثور: «إذا عمّت هانت».

والآن، بعد خفوت الجعجعة، صار الكثيرون يتساءلون: ألم تحن بعد ساعة تقديم الحساب؟ أولا لمعرفة كلفة الترويج للملف المغربي الخاص باستضافة «مونديال» 2026، وثانيا، لمعرفة كلفة حضور الوفد المغربي الرسمي في كأس العالم في روسيا، والخلفية التي تحكمت في اختيار أسماء دون أخرى، ومدى الحاجة لذلك.
وقبل هذا وذاك، ألا يتعين البحث في الأسباب الذاتية والموضوعية التي تجعل المغرب يفشل للمرة الخامسة في استضافة الحدث الكروي العالمي، بعد فشله في سنوات 1994 و1998 و2006 و2010؟ ولماذا غلب لون حزبي معين على اللجنة المغربية الأخيرة المكلفة بالترويج لطلب استضافة «المونديال»؟
إن الشفافية تقتضي تقديم الحساب كاملا في الملفين المذكورين، درءًا لكل الشبهات، خاصة وأن الجميع يعلم أن كرة القدم ليست مجرد لعبة بريئة، بل هي فضاء لتضارب المصالح الاقتصادية والسياسية وغيرها. فلا عجب إن ركزت عليها الحكومات المغربية المتعاقبة، وأعطتها الأولوية، على حساب الملفات الاجتماعية والاقتصادية المستعجلة.

مقاطعة «موازين»

تولي مجموعة من القنوات التلفزيونية المغربية عناية قصوى لمهرجان «موازين» الغنائي العالمي، في ظل دعوات شعبية لمقاطعته.
مبدئيا، المواطن المغربي ـ عموما ـ ليس ضد الفن والإبداع. ولكنه ضد تبذير المال العمومي وتوجيهه نحو مغنيات ومغنيين، يحصدون مئات الآلاف من الدولارات مقابل الوقوف ساعة او ساعتين أمام الجمهور.
غير صحيح أن تمويل مهرجان «موازين» يعود إلى شركات ومؤسسات خاصة، فهناك مجموعة من القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية التي تقدم الدعم المادي واللوجيستي والبشري لذلك المهرجان المدلل، بحكم قرب إدارته من الدوائر العليا في البلاد.
والحال أن الأموال الباهظة التي تضخ في حسابات فنانين أجانب يمكن أن تنفع للمساهمة في محاربة الفقر وبناء المراكز الصحية والمدارس العمومية وتجهيزها بوسائل العمل الضرورية وتوفير الماء الصالح للشرب وفك العزلة عن الأرياف والمناطق الجبلية…
هناك أولويات لدى الشعب والوطن. أما سياسة الإلهاء فلن تنفع في شيء، بل تزيد الأوضاع تأزما. لذلك لا نستغرب إن وجدنا هذا الشعار: «لنقاطع موازين، لأنه أحد أوجه الفساد في المغرب».

ذات صلة