في هذا الحوار، يسلط الكاتب المغربي المعطي قبال، المسؤول عن الملتقيات الثقافية لخميس معهد العالم العربي في باريس والمنسق العلمي للملتقيات التاريخية، الأضواء على الحضور الثقافي العربي في العاصمة الفرنسية، كما يبرز تأثير المستجدات السياسية على النقاشات الفكرية هناك، ويرصد كيفية تعامل الإعلام الفرنسي مع الإنتاج الثقافي المقبل من البلدان العربية.
■ هناك من انتقد اختيار المغرب ضيف شرف معرض باريس للكتاب لعام 2017، بحجة أن هناك بلدان تستحق أكثر هذا الاحتفاء؟
□ إنها المرة الأولى التي تحل فيها الآداب العربية ضيفاً شرفياً على المعرض الدولي للكتاب. ثمة مَن ردّ على هذا الاختيار بالحجة القائلة إن الأدب المصري واللبناني والجزائري المكتوب بالفرنسية أولى بأن يكون بهذا الموقع بحكم حضورهم الوازن في الكاتولوغ الفرنسي. فيما انتقد البعض عماء فرنسا التي لم تنتهز الفرصة للاحتفاء بالأدب السوري وتوصيل رسالة تضامن للعالم مع الكتاب والمبدعين السوريين الذين لحقهم شتات المبين. لكن للآداب المغربية أحقية ومكانة تاريخية في المشهد الفرنسي والمغربي، وذلك على الأقل من خلال آدابها المكتوبة بالفرنسية، إذ بصمت بعض الأسماء بقوة المخيل الفرنسي من أمثال: إدريس الشرايبي، محمد خير الدين، محمد شكري، محمد لفتح، فؤاد العروي، عبد الحق سرحان، ماحي بينبين… تنضاف إليها أسماء شابة ذات التعبير الفرنسي أمثال: عبد الله طايع، محمد نضالي، ليلي سليماني، كوثر حرشي وآخرين. غير أن هذه الأسماء تحجب ثراء الآداب المغربية، خاصة منها المكتوب بالعربية الموقعة من لدن محمد بنيس، عبد الله راجع، حسن نجمي، عبد الله زريقة وآخرين. وغاية هذا الحضور ـ وهذا أمل أولي ـ أن تتاح الفرصة لترجمة الشعراء والكتاب من العربية الذين صنعوا المشهد الإبداعي المغربي. من ناحية أخرى وجب وضع هذه «الضيافة» في إطار سياسي واقتصادي وثقافي أهم مميزاته جودة العلاقات بين المغرب وفرنسا وهو عــــامل لا يستهان به.
■ هل تتوقع أن يحسن المنظمون تقديم المغرب خلال المعرض؟
□ آمل أن لا يعم الارتجال و»اللخبطة» على مستوى تسيير وتنظيم الحضور المغربي. فإلى الآن، لا نعرف ما هي الأطراف المسؤولة والساهرة على التسيير والتنظيم، ولا نعرف خريطة الطريق التي صممها المنظمون من الجانب المغربي. في السابع من أيلول/ سبتمبر المنصرم، تم التوقيع على اتفاقية الاستضافة بين وزارة الثقافة المغربية والنقابة الوطنية الفرنسية للناشرين، لكننا نجهل كل شيء عن الأمين المغربي للمعرض.
تخوفي أن يرتجل المنظمون كما هي العادة برامج تلفيقية، أو أن تُسند هذه المهمة لأشخاص ليست لهم دراية لا بالتنشيط ولا بالتسيير الثقافي أو لأشخاص فشلوا في تنظيم تظاهرات أشرفوا عليها من قبل، ويُعاد إخراجهم من الصوانات المهملة لتكليفهم بإطلاق رصاصة الرحمة على الثقافة المغربية. استضافة ثقافات المغرب، لا آدابها وحسب، فرصة ذهبية لتسليط الضوء على تميز مبدعين صنعوا أنفسهم بأنفسهم دون أي مساعدة. كما أنها فرصة ثمينة لانتشال صورة المغرب من التصور السياحي.
■ إلى أي حد ساهم معهد العالم العربي في باريس في مد جسور العلاقة بين مثقفي البلدان العربية ونظرائهم الغربيين ولاسيما الفرنسيين، وبينهم وبين جمهور المعهد؟ وما هي جهودك الشخصية في هذا المجال، انطلاقا من المسؤولية التي تتحملها في المعهد؟
□ في كانون الأول/ ديسمبر2017 يحتفل معهد العالم العربي بمرور ثلاثين عاما على تأسيسه. ثلاثة عقود من التعريف بثقافات وفنون وآداب العالم العربي. من المغرب إلى العراق، مرورا بلبنان سوريا الكويت البحرين الإمارات الخ.. وقد خصصت لبعض من هذه البلدان معارض أثرية حضرها جمهور قدّر أحيانا بمليون زائر. مثل الفعالية التي خصصت للمغرب عام 2014. كما فسحنا المجال لمد جسور مع مبدعين أو فنانين فرنسيين عاشوا أو تأثروا بالعالم العربي من أمثال دولاكروا، هنري ماتيس، جان جونيه وغيرهم. أما على المستوى الفكري، فقد استضاف المعهد أعلام الفكر والثقافة والبحث الحداثيين وما بعد الحداثيين من أمثال: جاك بيرك، بيار بورديوه، جاك دريدا، عبد المجيد الشرفي، محمد أركون، فاطمة المرنيسي، نوال السعداوي، ميشال سير، إدغار موران، آلن باديوه، عبد الله العروي وغيرهم. عملت شخصيا على استضافة فلاسفة ومفكرين فرنسيين نقاد لأرضيتهم الثقافية ولانفتاحهم على الآخر. لما استضيف آلن باديوه وأطلب منه التفكير مع الجمهور في مسألة الثورات العربية ومسألة السلطة، فهذا إدماج له وللجمهور في مشروع فكري عربي مشترك. وتعرف اللقاءات الأسبوعية التي أشرف على تنظيمها نجاحا كبيرا. كما أطلقنا الملتقيات التاريخية لمعهد العالم العربي التي ننظم نسختها الثالثة والتي تعرف مساهمة ما يقرب من 200 مؤرخ و8000 زائر في ظرف ثلاثة أيام.
■ هل للمستجدات السياسية، سواء في العالم العربي أو فرنسا وغيرها من البلدان الأوربية، تأثير سلبي على نوعية وحجم الحضور الثقافي العربي في باريس وفي فرنسا عموما؟
□ بالعكس، هناك إقبال متزايد على الندوات واللقاءات الفكرية التي ننظمها أسبوعيا. وللمعهد شرعية في معالجة قضايا الإسلام والإسلام السياسي؛ لكننا نحرص على عدم دعوة «الرؤوس الساخنة» بل نشجع التبادل الرزين والعقلاني في مواضيع «بوليميكية» بامتياز. الغرض تربوي وتثقيفي. غداة الهجمات الإرهابية التي عرفتها فرنسا بدل أن يهجر الجمهور فضاء الندوات حجّ بالعكس وبكثافة للمعهد لمتابعة النقاش والمساهمة فيه. من ناحية أخرى، فإن للسياسة الفرنسية ـ داخليا وخارجيا ـ تأثيرا على توجهنا الثقافي (فنحن قانونيا تابعون لوزارة الخارجية الفرنسية). لكننا لا نمارس أي رقابة على المنتقدين لهذه السياسة، كما أننا لا نقوم بالدعاية لها. في فرنسا عنصرية، إسلاموفوبيا، تطرف يميني وحيف في حق العرب والمسلمين، وهي معطيات يشدد عليها ضيوفنا من الباحثين والمفكرين.
■ كيف يتعامل الإعلام الفرنسي مع الشأن الثقافي العربي، ولاسيما حين يستضاف في باريس؟
□ اشتغلت في أسبوعية «كورييه أنترناشيونال» وفي صحيفة «ليبراسيون»، وأعرف من الداخل الميكانيزمات التي تحكم التصور الإعلامي للشأن الثقافي العربي. في الغالب لا يهم هذا الإعلام سوى بعض الكتاب الفرنكوفونيين وبالأخص الاستئصاليين. وجد هذا الإعلام في الكاتبين الجزائرين بوعلام صنصال وكمال داوود الشبيه الأمثل لميشال ويلبيك الذي يدك الإسلام والمسلمين والعرب على حد سواء. اعتراف الإعلام بهذين الكاتبين يفتح لهما أبواب الجوائز على مصراعيه. قلة من الصحافيين هي التي تحتفي بالشأن الثقافي العربي، وهذا الحال الذي ينم عن تمركز ذاتي يتقاسمه مجموع الإعلام الأوروبي. في عددها الأخير، نشرت مجلة «دير شبيغل» الألمانية قائمة بأسماء الخمسين عملا الذي أثر في العصر. اختارت أسماء من مجموع القارات والبلدان ما عدا العالم العربي. ويفصح هذا الاختيار عن عقلية ثقافة أوروبا بأكملها.